علاء مشذوب عبود من شاهد الفيلم السينمائي (سوق المتعة) لا يتعجب مما يحصل في العراق من متاهات سياسية، دخل بها بعض من رجالات السياسية الجدد ولن يخرجوا من نفقها أبداً، ومن الصعب أن نجد الأعذار للثالوث الذي أقيمت على أساسه الدولة العراقية الحديثة (السياسي- الدستور – الشعب)، والأسباب بينَّة للبسيط قبل الحاذق.
فشعب أُحكمتِ القبضة عليه لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وأقحم بثلاثة حروب وحصار، وتسلط عليه الجهلة والساقطون في بئر الدعارة والخارجين منها، حتى أشبعوا إذلالاً ومهانة، وعجباً للكثير ممن يدعي النضال ضد النظام البعثي الفاشستي، الذي كاد أن يقتل أبنه بعد أن قتل البعض من أهله ابتداء من أخي زوجته، إلى أزواج بناته، وأولاد عمومته ورفاق دربه الأسود، بل ومعاونيه ومقربيه من حزبه الملعون، حتى أصبحت أغلب فئات الشعب تلوذ بالظل خوفا من الضوء، تلوذ بالماء خوفا من الجوع، تلوذ بكراتين المقوى خوفا من البرد، وبين ليلة وضحاها أطلقت لهم حرية الاختيار لتحديد مصير أمة بثقل العراق وتاريخه وحضارته، وثرواته، وهو مكبل بكل هذه الجراح والدولة الإسلامية الرحيمة المحيطة التي تكن لنا كل الحب والأخوّة مرة تحت عنوان العروبة ومرة تحت عنوان الدين أو المذهب.وساسة في أغلبهم مشردون بين المعتقلات والسجون وعند البعض من دول الجوار، وحتى من نبت ريشهم بعد السقوط ونادوا بخروج الاحتلال، لا يمكن أن ينتجوا ثقافة المصالحة مع النفس والآخر، وحتى عقلاء القوم، ممن راهن الكثير من الشعب المقهور الإرادة، وربما الاتكالي في إرادته لما يخص الدين والدنيا، أقحموا على الساحة السياسية عنوةً بعد أن سلم الكثير من أبناء الشعب بمختلف طوائفهم رقابهم ولحاهم الكريمة بيدهم وهم لم يعهدوا منذ مئات السنين مثل هكذا مسؤولية، وراحوا ربما مجبرين ينادون بكتابة الدستور بأسرع ما يمكن، وعبثاً راح المساكين من بعض النخب والمثقفون والساسة والصحافيون يحاولون وقف مثل هكذا تصرف يعود على البلد بالشر العظيم، وضربوا لهم الكثير من الأمثلة التي ليس غدها ببعيد.ومنها اليابان التي بقيت تحت الاحتلال سبع سنوات ولم تكتب دستورها بل لم يسمح لها الاحتلال الأمريكي البغيض، بأن تصدر ولو صحيفة واحدة، حتى إذا ما استقرت الأوضاع وهدأت النفوس، استطاع المارد الأصفر ومن خلال السلم فقط أن يعيد احتلال أمريكا ليس بنشر الإسلام وإسقاط الأبراج المدنية، بل بالتطور التكنولوجي والتقني والصناعة الطبية الدقيقة، بل وحتى الصناعات الميكانيكية الطبيعية مثل السيارات، فاليابان تعول على استمرار نجاح شركاتها من خلال تلك المعاهدات القديمة، فهي تبيع ما يقارب ثلاثة ملايين سيارة سنوياً لأمريكا، بما يعادل أكثر من نصف إنتاجها لباقي العالم.وعودا على بدء، فإن أساس الإشكالية هي هنا مركبة، بين شعب يتكلم باسم الوطنية وينتخب على أساس الطائفية، وبين سياسي يتكلم باسم الوطنية والعراق الموحد، ولا يدق منشورا انتخابيا واحدا في مناطق من غير طائفته، وعندما ينتقل البرلمانيون المنتخبون بآمال وأحلام المذهب الذي سيؤدي بهم إلى النجاة من النار، يبدأ الاختلاف من جديد، في كون أن الذي ينظم عملهم واتفاقاتهم هو الدستور. وهنا يكمن السر المكين، فالدستور، لا يمكن تغييره إلا بتغيير الشعب، والساسة لا يمكن أن يتفقوا باعتبار أن لكل منهم ذريعة دستورية، والفساد والنهب على قدم وساق.والشعب الذي راح من وراء صندوق الانتخاب ينتظر مخلصا إلى حيث الجنان يحترق بنار المفخخات، ومن سَلِمَ منها، راح يقف في طوابير الإذلال عند السيطرات والتفتيش، ليعود من جديد يلعن الساعة التي انتخب بها، ولكن لا أحد يستجيب له أو يعذره لأنه لم ولن يتعظ من الخطأ السابق.السُنَّة السيئة التي أسسها العراقيون ووافق عليها الجميع هي الدستور، فهو مكمن المشكلة، لأنه يحمل من المتناقضات والفقرات المبهمة التي تحتاج إلى تفسير على الأهواء، والتي لا تحدد شكل الدولة العراقية بالطريقة الصحيحة الشيء الكثير، حتى تسمح (لثلثي ثلاث محافظات من أن تتحكم (بكل المحافظات ومصائرها) واختلق من الألغام والمفخخات والعبوات الناسفة بين أسطره ما يجعل الساسة يسبحون في فضاء التمسك به ولكنّ كلاً على ليلاه يبكي باسم الوطن والشعب، وهم صادقون في ذلك، بعد أن مات الأب وخرج القسام الشرعي بفقرة الـ(140) والفيدراليات وحق تقرير المصير للبعض دون الآخر، وأن يعقد موظف بعنوان رئيس مجلس محافظة، أو رئيس هيئة استثمار الصفقات مع الدول الأخرى، بل ويُسمح لأي قومية أو طائفة أو أصحاب لغة من أن يرفعوا أعلامهم في مناطقهم عند السفارات العراقية في البلدان الأخرى، حتى أصبح العراق ليس عبارة عن شعب متعدد التوجهات اختار أن يعيش معاً مثل كل شعوب العالم، بل مجموعة من الشركات الخاصة التي تميزها الأعلام الصفر والزرق والملونة، والأعلام الدينية التي تحمل إما اسم لفظ الجلالة أو شعار نبيه، وحتى بعض الآيات القرآنية.وعجبي لمثل هذه الشركات التنافسية، التي تسعى جهدها لتصدير أزماتها إلى خارج حدودها، والسؤال هل العراق هو البلد الوحيد الذي يتكون من أفراد وفئات وطوائف وقوميات، هل العراق هو البلد الوحيد الذي يتكون من أحزاب وكتل وائتلافات، أم أن أغلب دول العالم هي هكذا .إذن لماذا أرادو
سُنّة سيئة
نشر في: 4 يوليو, 2012: 06:44 م