عدنان حسين بفضل الفورة في إنتاج النفط والطفرة في أسعاره في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، اجتاحت دول الخليج العربي حمّى زراعة النخيل حتى على أرصفة الشوارع العامة.. بدا منظر صفوف النخيل فخماً بهياً يسرّ الناظرين في بلدان لم تكن تعرف من قبل غير الصحراء الجافة والبحر المالح.
بعد عقد أو عقدين من الزمان بدأت مدن الخليج المنبثقة للتو تعاني من المشكلة، فللنخلة متطلبات كثيرة منها التنظيف المتواصل لما يتساقط منها من تمر وسعف وكرب وليف، فبدأت هذه المدن بالتحول نحو أنواع أخرى من الأشجار دائمة الخضرة غير المثمرة، اُستقدِمت من أفريقيا والهند، وكان ذلك خياراً صحيحاً وسليماً جعل من مدن الخليج واحاتٍ خُضراً وحدائق غنّاء.هنا في بلادنا هذه التي كانت حصة كل فرد من سكانها، ذات يوم، أربع نخلات (30 مليون نخلة و7 ملايين نسمة) أخذنا الآن نقلّد دول الخليج في ما كانت تفعله منذ ثلاثة عقود وتراجعت عنه أخيراً. فثمة سباق بين المحافظات والمدن والبلديات على زراعة النخيل على طول طرق داخلية وأخرى خارجية، ولا أدري كيف مات غير القليل من هذا النخل! لا بد انه الإهمال الذي يضرب بأطنابه مفاصل في دولتنا ومجتمعنا تتعلق حتى بالصحة العامة والأمن.ما تحتاج إلى زراعة النخيل هي البساتين التي قضت عليها أو كادت حروب صدام العدوانية المدمرة. والحاجة هنا لا تقتصر فقط على إعادة إحياء تجارة التمور وصناعتها، وإنما أيضاً لوقف هذا التصحر الزاحف إلى قلب المدن والأرياف، والجالب معه عواصف الغبار التي تكاد أن تتحول إلى طقس أسبوعي.أما مدننا فتحتاج إلى استنساخ التجربة الخليجية في استقدام الأشجار الإفريقية والهندية دائمة الخضرة وارفة الظلال للتجميل الدائم ولكسر درجات الحرارة المشتدّة عاماً بعد آخر ولصدّ عواصف التراب.في نهاية كل سنة مالية تُعيد المحافظات إلى الخزينة العامة أموالا طائلة لم تستطع إنفاقها، بسبب الإهمال وقلة الخبرة وسوء التخطيط، ومن الممكن تخصيص نسبة من هذه المبالغ لتشجير المدن بالأشجار المشار إليها. الزائر إقليم كردستان العراق يلاحظ الفرق الهائل بين ما كانت عليه الطبيعة منذ عشرين سنة وما هي عليه الآن. قبل عشرين سنة كانت الجبال جرداء تماماً، فلقد ظلت الأنظمة السابقة تجيّش الجيوش لإحراق الغابات والأحراش الجبلية منعاً لاختباء البيشمه ركة فيها وانتفاع الكرد بها، وفي مطلع التسعينات خلت بعض الجبال تماماً من كل شجرة. الآن تزدهر هذه الجبال بخضرتها العائدة للتو.هذه التجربة يمكننا استنساخها في القسم الآخر من العراق، قسمنا الذي يتصحر وتتجرف تربته.تجميل المدن لا يكون بنشر النخيل في شوارعها، بل بالأشجار الأخرى دائمة الخضرة غير المثمرة، فبعد حين سيتعيّن على البلديات أن تستخدم جيشاً من العمال لتنظيف الشوارع مما يتساقط من النخيل الذي مكانه الطبيعي في البساتين ودور السكن.
شناشيل:نخلنا يُزرع في غير مكانه
نشر في: 4 يوليو, 2012: 07:02 م