هاشم العقابي في عمود سابق تناولت ظاهرة المهرجانات بالعراق منبها إلى أن كثرتها تذكرنا بمهرجانات التطبيل السيئة الصيت بزمن صدام. واليوم لا أستطيع فهم كثرة المهرجانات الشعرية والفنية بالعراق إذ لا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد عرضا لهذا المهرجان أو ذاك على الفضائيات. من البديهي إن كل شيء إذا زاد عن حده انقلب ضده.
من حقنا أن نتساءل عن جدوى هذه المهرجانات وفهم الدوافع والأهداف التي يبتغيها القائمون عليها خاصة وان أموالا طائلة تنفق عليها من خزينة الدولة. ليس هذا، وحسب، بل أن بعضها تابع للإشراف الحكومي ويقام في وقت متزامن وكأنها منافسة لا نعرف أهدافها. فمهرجان بابل للثقافات والفنون عقدت ثلاثة أيام منه في وقت كانت فيه فعاليات مهرجان المربد التاسع للشعر على قدم وساق.يفترض أن المهرجان، أي مهرجان، وسيلة وليس هدفا بحد ذاته. فهل حقق أي من المهرجانين أهدافه؟ وقبل ذلك، ما هي أهدافهما بالأساس؟ اعتقد أننا بحاجة لدراسة تتبعية لقياس ما حققه المهرجانان للثقافة والفن والشعر للتأكد بان ما صرف عليهما من مال وجهد يستحقانه بالفعل.الفعاليات الثقافية والفنية يجب أن تضع الحياة والإنسان الذي هو صانعها هدفا لها. فهل كانت الغاية من مهرجان بابل مثلا هو أن يرفع صوت السخط على مجتمع النفعيين وآلهة الفساد وعبيده؟ وهل كانت قصائد المربد صيحات غضب ضد الظلم والظلام والبؤس والبطالة والحرمان من ابسط الخدمات؟شعب لا يذوق طعم الكهرباء مثل باقي عباد الله وتحاصره المفخخات والكواتم من كل صوب وتحيط به أكوام الزبالة تصبح فيه حملات رفع القمامة من الشوارع أهم من كل المهرجانات. إننا بحاجة لمهرجانات تستجيب لنداء الناس المظلومين وتوقظ النائمين منهم، وليس لمهرجانات للتلهية والمحاباة. بحثت بعناء شديد عن شيء يخبرني بان مهرجانات ما بعد صدام قد اختلفت عن تلك التي كانت في زمانه فلم أجد غير أنها ما عادت تمدح صدام! ماذا يعني أن يكون العراق في أعلى سلم قوائم الدول البائسة امنيا وحياتيا، ولم نسمع في مهرجان واحد أغنية أو قصيدة أرعبت السلطان أو أفزعت اللصوص أو أبكت ناسنا المقهورين على أحوالهم التي تبكي الصخر؟وفي زمن وصل به الحرمان المر إلى حد منع أو تحريم الغناء، لم نجد مهرجانا واحدا رفع شعارا احتجاجيا ضد هذا الاعتداء الصارخ على حق الناس بالغناء الذي هو حق إنساني فطري قبل أن يكون دستوريا أو ثقافيا. فمهرجان بابل مثلا كان يفترض أن يكون مثل مهرجان جرش الأردني الذي يعلو به صوت الأغنية، اختار له القائم عليه شعار: "أنت بابلي.. إذن أنت مثقف". ولا ادري من أين أتى هذا الجزم القاطع على أن كل من ولد بالحلة مثقف، مع احترامي لأهل الحلة الحبيبة. كان يمكن لهذا المهرجان أن يقدم رسالة بسيطة تؤدي غرضها بعمق لو أن صاحب المهرجان خصص يوما لتكريم المطرب الحلاوي الكبير سعدي الحلي، برعاية الحلاويين محمد جواد أموري وكوكب حمزة.كما أن مهرجان المربد التاسع، وان شح فيه من يرفع صوت قصيدته بوجه من ظلم العراقيين، كان يمكن للقائمين عليه استعارة ما قاله الشاعر التركي ناظم حكمت شعارا له: «إن كان الوطن هو ما تكنزون في خزائنكم. وأن يرتجف الفقير وتنتابه الحمى صيفا وشتاء. وأن تمتصوا دماءنا. وإن كان الوطن أرضاً للسادة الإقطاعيين. وحكومة السياط وتكميم الأفواه .. فإنني أخون الوطن".
سلاما ياعراق :عن المهرجانات مرّة أخرى
نشر في: 4 يوليو, 2012: 07:23 م