قيس قاسم العجرشأن تسير بجانب امرأة في بغداد وتتبادل معها الكلمات،يكون الأمر في الغالب"أزمة"تتناسب طردياً مع حالة المرأة التي تسير بجانبك ومستوى العـُـته الذي يتمتع به الموشك على فعل التحرش.كلما كانت امرأة شابّة وربما لا ترتدي زياً مُسرفاً في الاستتار ازداد احتمال تعرضك وتعرض أسماعك إلى كلمات لا تليق، أو أن تتعرض هي لغمزات غير بريئة أو عبارات
قذرة ممكنة جداً، يمكن أن تسمع شيئاً آخر، يمكن مثلاً وأنت تسير باحترام لنفسك وللمرأة التي معك أن تسمع فتيان يتبادلون شتائم جنسية بأفظع ما يمكن للذاكرة العراقية الشوارعية أن تتبادله.احتمال ضعيف جداً أن يكون هؤلاء لا يقصدون"التعدي"على أسماعك وأسماع المرأة التي تسير معك.يمكن أن تتعرض أنت والتي تسير معها إلى"صيحة"جنونية يطلقها بائع شوارعي إعلاناً عن بضاعته لكن منظر المرأة يستثيره فيرفع الصوت مشدداً ومركزاً على أن تمر سهام كلماته بصورة دقيقة قرب أسماعك والمرأة التي معك،تمرّ مروراً غير كريم بالمرّة.سنتعامل بالحكمة ونظريات علم الاجتماع ونفترض أن الفصل الجنسي السائد في مجتمعنا هو السبب لانتهاز البعض هذه الفرص وقد يندفع هذا(البعض) إلى الاستثارة والانزلاق للتحرش والتي يقول عنها علماء الاجتماع إنها لا تتعلق بعرض الرغبات الجنسية قدر تعلقها بمحاولة الاستعراض ولفت الأنظار في لحظة شعور بالتضاؤل وعدم الأهمية.منظر المرأة يكون مغرياً جداً إلى استعراض لفت الانتباه هذا.أما في حياتنا الصحفية فيواجه الصحفيون نوعاً آخر من فصول التحرش الذي يتسبب به منظر المرأة الصحفية أيضاً مهما كان طبيعياً .يحدثكم عن هذه الأحداث كل مصور صحفي رافق زميلته الصحفية في مهمة عمل أو كل كادر صحفي خرج للتصوير برفقة مراسلة تلفزيونية أو احتوى بين أعضائه مقدمة برامج مثلاً.خلال ستة أعوام من العمل التلفزيوني شهدته في غرفة الأخبار لم يحدث أن خرج كادر إخباري للتصوير برفقة مراسلة صحفية إلا وتعرض لنوع من أنواع التحرش مع بعض الاستثناءات القليلة جداً. ولا يهم هنا إن كانت المراسلة الصحفية شابة جميلة أم فتاة عادية المظهر ، لا يهم إن كانت مرتدية زياً محتشماً أو "اعتدت"ابتداء بارتداء زيّ فاضح ،لا يهم إن كانت ترتدي زياً إسلامياً أم غيره،ذلك غير مهم أبداً ، الثابت أنها ستتعرض هي وفريقها المصاحب لها إلى تحرش حتى وإن كان في أدنى المستويات، حتى وإن كان بمستوى كلمات فاضحة متداخلة فقط، فإن لم يجد المتحرشون ففي العادة نسمع صيحات هستيرية من الجو العام للتصوير قرب المتر المربع الذي تقف فيه المراسلة الصحفية.كل هذا يحمل مبررات تفسيرية اجتماعية ،فالتحرش بالنهاية ليس مقصوراً على الصحفيات فقط، كل فتاة عراقية تعمل وتستعمل وسائل النقل العام وتتحرك وسط الشارع أو ساحات النقل لا بد وان تكون قد مرّت بصورة شبه يومية بنوع من أنواع التحرش، لأن النظام العام لم يصل بعد إلى التأثير في كل الأفراد أو معظمهم.ومؤخراً عايشنا كصحفيين نوعاً آخر من التحرش،فما أن يحتوي فريقنا الصحفي على"زميلة"حتى يبدأ بعض عناصر القوات الأمنية من الذين علينا التعامل معهم بالتصرف بحديدية مطلقة تجاه الصحافة وممكن أن يسمع الصحفيون من الذكور، بحضور زميلاتهم الصحفيات، عبارات مثل :"قف في مكانك لا تتحرك.." أو " ممنوع ..سلم الكاميرا وانتظر خارج"وغيرها من العبارات العصبية التي تنطوي على مرض نفسي بالضرورة تجاه الكاميرا وتجاه وجود"صحفية"في المكان يدفع وجودها البعض إلى استعراض عضلاته.الأسوأ من هذا إن التحرش يبدو وكأنه ينطلق من التسليم (من قبل المتحرش) بأن الفتاة العراقية العاملة كصحفية هي فتاة"سهلة"مطعونة بشكل ما في أخلاقياتها .مؤثران ومحفزان يعملان بالتعاضد هنا،استثارة الكاميرا وميراث التحرش السائد في الشارع القادم منه هذا العنصر الأمني. الحادث الأخير الذي تعرض له زميل وزميلة من قناة المسار مع القوات الأمنية في النجف خير مثال على الاستفزاز للمرضى النفسيين بين صفوف القوات الأمنية الذين تثيرهم قضيتان أساسيتان، الكاميرا ووجود امرأة.يبدأ البعض من هؤلاء بالتقوس وعرض الهيبة الفارغة التي تمثلها سلطة الزي الرسمي والسلاح الحكومي ،كل هذا للاستعراض مثل الديكة.هذا الحادث ليس استثناء فقد مررنا بعشرات من مثل هذه الحالة ، ومن السذاجة أن نتهم بتسليط الأنظار فقط على الحالات السلبية دون الإشارة إلى الحالات الإيجابية من التعاون بين القوات الأمنية والصحفيين، هذه سذاجة مطلقة إذ أن الصحافة في البلدان الديمقراطية ليس من مهمتها تلميع أي صورة حتى وإن كانت إيجابية.وللمثل أسوق هنا آخر عدد قرأته من صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية ،ففي الصفحة الأولى نطالع قصة عن تحرش جنسي قام به أحد مدربي المنتخبات الوطنية والى جانبه قصة خبرية عن مسؤول رفيع ضبطته كاميرات المراقبة في حادث سيارة ضرب مواطناً فيه وهرب. هذه هي أخبار الصفحة الأولى ولا مجال فيها لتصريحات "المقربين"من الحكومة أو نواب الصدفة.ببساطة، مهام الصحافة أن تنقل الحقيقة المفرطة وتكثفها ،لأنها الاستثناء أما الواجبات اليومية التي يحسبها البعض"منجزات"فهذه لا تتسع لها الصحافة الحرّة الباحثة
حين أعمل مع صحفية!
نشر في: 4 يوليو, 2012: 07:51 م