TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: أغبياء بالفطرة يا أم عامر

عالم آخر: أغبياء بالفطرة يا أم عامر

نشر في: 8 يوليو, 2012: 06:21 م

 سرمد الطائي تمنيت أن يكون الخبر الذي يتناقله مستخدمو الفيسبوك مخطئا حول وفاة "ام عامر"، وهي سيدة تعيش في ضواحي البصرة وتحولت الى نجم حقيقي وباتت مشهورة على طول الوطن وعرضه، اثر مداخلة شجاعة حملتها الصدفة على شاشة قناة الفيحاء قبل سنتين.
الاصدقاء في تلفزيون الفيحاء اكدوا لي قبل قليل عدم صحة الخبر، وان مكتب البصرة ذكر لهم ان ام عامر اطال الله عمرها موجودة بصحة جيدة، ويبدو ان هناك من يحاول صناعة نكات من النوع الاسود على شبكة التواصل الاجتماعي.لكن الامر دفعني الى الكتابة عن سر التصاقي بالشاشة مثل كثيرين غيري، كلما ظهرت ام عامر في مرافعتها الشهيرة التي تحاكم الطبقة السياسية وكل مراكز القوى في بلادنا. السيدة هذه تختصر بخمس دقائق وعبر أبلغ العبارات الممكنة، المأساة التي تعانيها الاغلبية الصامتة في البلاد والتي لا يحسن كل الصحفيين والكتاب، التعبير عنها بهذه الطريقة.المرافعة الشهيرة لأم عامر تنطوي على عنصرين جعلا منها مميزة وشهيرة. الاولى شجاعتها وقدرتها على "وضع اصبعها في عين السلطان" على الهواء، وهو امر يتخاذل عنه الكثير ممن يحيطون انفسهم بقوافل الحمايات ويعيشون خلف الاسوار الحصينة. هذه المرأة العزلاء وعلى قاعدة "المفلس في القافلة امين" امتلكت هذه الشجاعة وجعلتنا نتسمر امام الشاشات كلما ظهرت في "خطابها التاريخي" الذي يمكن لاي منا مشاهدته منشورا على يوتيوب بمئات النسخ.والامر الاخر هو ذكاؤها الفطري. حيث انها لم تتلق تعليما عاليا او تدريبا وتأهيلا يذكر، لكنها تمتلك موهبة مميزة جعلتها تستجمع في 5 دقائق وبتلك العبارات البليغة، اهم القضايا التي يعاني منها العراقيون، مبتدئة بانهيار الخدمات على انواعها، ومنتهية حتى بقضايا الحريات العامة والخاصة بكلمتها الشهيرة "عرس لا تعرسون؟" والتي اطلقتها على شكل استفهام استنكاري في وجه الجماعات المتشددة التي تحاول ان تفرض قيودا حتى على العوائل التي تحتفل بزفاف ابنائها وبناتها.سألت محمد الطائي مدير قناة الفيحاء: لماذا لا نؤسس قائمة انتخابية تتزعمها ام عامر، معتقدا انها ربما تحصل على بضعة مقاعد في البرلمان حيث اصبحت اكثر شهرة من كل النواب. فأجاب: ليست لديها حتى شهادة متوسطة والقانون يحرمها حق الترشح.ان النظم التقليدية في بلداننا لا تقيم وزنا لمثل هذا "الذكاء الفطري" وهي نظم مبتلاة في الوقت نفسه "بغباء فطري". ونعرف اشخاصا لم يتلقوا اي تأهيل وفشلوا في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، او لم ينخرطوا في اي نوع من التحصيل العلمي، لكنهم حققوا نجاحا كبيرا في مجالات أخرى.ولكل منا حكايات كثيرة حول رجال ونساء غير متعلمين، اثبتوا جدارتهم في القيام بأعمال دقيقة،أو أعمال مميزة جدا. كما ان تجربة الدولة العراقية كما نراها، تثبت لنا كيف ان اشخاصا عاشوا تجارب معقدة وتلقوا تعليما عاليا، ودخلوا دورات ودورات في اكثر البلاد تقدما، لكنهم عادوا لنا بنتائج مخزية عكسها لنا ميدان العمل.ام عامر السيدة البسيطة، تقدم لأمثالي درسا مفاده ان الذكاء موهبة، اي انه هبة تقدمها لنا الطبيعة وفلسفة الكون الغامضة، وليس للتعليم والتدريب سوى دور الكاشف عن هذه المواهب والمطور لها. تعلمنا ام عامر ايضا ان الشجاعة موهبة لا تحتاج الى قافلة حرس شخصي ولا الى اسوار حصينة نعيش خلفها. الشجاعة لدى هذه السيدة صرخة مشروعة يطلقها شعب متوجع. الشعب قد يصمت دهرا، لكنه حين يريد ان يترافع بوجه الظلمة وعديمي الخبرة فإنه قادر على اخراس كل الالسن. الشجعان والاذكياء موزعون في اطراف هذا الوطن، وربما على الصحافة ان تخصص جزءا من وقتها للبحث عنهم، بدل الانهماك الكامل في استنطاق ساسة لا يقولون شيئا، واذا قالوا كذبوا، واذا لم يكذبوا فإنهم لن يكونوا اوفياء. انها "ولية غمان" يا سيدتي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram