TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: صناعة اليأس

أحاديث شفوية: صناعة اليأس

نشر في: 8 يوليو, 2012: 06:25 م

 احمد المهنافي يوم ما تضافرت على العراق أعتى وحشتين: نظام حكم محلي لا حدود لبطشه، وحصار دولي لا مثيل له في التاريخ. وكانت النتيجة دخول البلد في هاوية لا قرار لها من اليأس. ودام ذلك الطاعون الأسود 13 عاما حولت البلد الى أكبر مقبرة جماعية للكرامة في العالم.
واليوم تتكرر السيرة بطريقة مواربة وغامضة من حيث طرق الحكم والتسلط، وواضحة وجلية من حيث النتيجة، وهي اعادة انتاج اليأس. فكما كان الأمر في اعوام الحصار، ينقسم الناس اليوم بين فريقين، أحدهما ينعم بالسلطة والثروة، والثاني يواجه شتى اشكال عدم الاستقرار والبؤس. الأول يتمثل بالطبقة السياسية والآخر هو الشعب.والفريق السياسي لا يعاني من زحمة السير في الطرق، ولا الشعور المرافق له بقلة الاحترام والأمان، بعيد عن حمارة القيظ بعده عن صبارة القر، فالدنيا من حوله بين برد منعش في موسم القيظ، ودفء غامر في موسم القر. وهو آمن على نفسه وعياله، لا يلهث وراء خبز، ولا يثقل عليه هم في سكن أو مزبلة أو صحة أو مدرسة أو مال أو سفر.وكل ذلك "عافيات" على قلبه لو كان يعمل شيئا مفيدا للبلاد. ولكنه في الواقع لا يفعل شيئا سوى ادخال البلد في صراع مستدام على السلطة، وأزمة سياسية تلو أخرى، وفساد عظيم، وافقار متواصل للشعب، وفشل أمني مستحكم، وتدهور في سلطة القانون يتنامى طرديا مع تنامي القوات المسلحة والأمنية عدديا.وليست مسؤولية الجماعات الممثلة للطبقة السياسية على درجة واحدة. هذا صحيح. ان المسؤولية متفاوتة. ولكن جميعها في النهاية مسؤول، بدرجة أو أخرى، عن اعادة انتاج اليأس. ان المالكي على رأس المسؤولين، لأنه يحتكر السلطة العسكرية والأمنية احتكارا تاما، كما كان يفعل صدام. وهو مسؤول ايضا لأنه جعل القضاء "ورقة" بين يديه، ايضا كما كان يفعل صدام. واحتكار الحاكم في اي بلد للسلطتين الأمنية والقضائية يخرج ذلك البلد اخراجا تاما من حكم القانون.حسنا. ماذا يفعل وزراء "العراقية" و"التحالف الكردستاني"، والحال هي هذه، في حكومة المالكي؟ كيف يقبلون على أنفسهم الوجود ضمن فريق يرأسه المالك الحصري للأمن والقضاء؟ ان هذا الطراز من "المُلكية" يقوض أو يهدم أسس أي امكانية لبناء دولة المؤسسات. ذلك ان مبدأ هذه الدولة ينطلق من وجود "مؤسسة أمنية" موالية للدولة، لا لشخص، و"مؤسسة قضائية" مستقلة. هاتان المؤسستان هما البداية. فان كانت سليمة عبدت الطريق الى دولة المؤسسات. وإن كانت "مالكية" أعادتنا الى دولة اليأس.ان دولة اليأس هذه لا ينشئها شخص وحده، ولا يتحمل وزرها فرد بعينه. هناك دوائر مسؤولية متعددة تبدأ من الحاكم الفرد، وتستمر لتشمل الطبقة السياسية كلها، وتتجاوزها الى الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة. ولكن كالعادة فان "الأقربين أولى" بالمسؤولية. والساسة الشركاء أو المشاركون، على تفاوت قربهم أو بعدهم من المالكي، هم أولى، من بعده بالطبع، بتحمل مسؤولية العودة بالبلد الى ارث اليأس.وهؤلاء الشركاء – الخصوم يستطيعون الساعة واليوم تغيير وجهة البلد اذا شاؤوا. يستطيعون ذلك اذا انسحبوا من الحكومة، وتحولوا الى معارضة، فيبعثون بذلك الحياة في الدور الرقابي الميت للبرلمان. ولكنها السياسة الفاسدة التي أدمنت صناعة اليأس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram