علي حسينلم انتظر طويلا حين طلبت من الأصدقاء في الحزب الشيوعي أن يجيبوا بوضوح، لماذا ذهبوا إلى المالكي؟ فقد جاء الرد على لسان احد أعضاء الوفد السيد مفيد الجزائري الذي صرح لموقع السومرية نيوز أمس قائلا: إن "رئيس الحكومة نوري المالكي ابلغنا خلال لقائنا معه،
أن تحرك العراق مستقبلا يكون بتشكيل تكتل غير طائفي عابر للطوائف ويضم المتدين والعلماني والمسلم والمسيحي والعربي والكردي والمحجبة والسافرة"، ولم يدعنا السيد الجزائري ندقق طويلا في دعوة المالكي فاعتبر من جانبه أن "هذا الكلام صحيح ومعقول، والحزب أول الداعين إليه منذ سنين طويلة". ومع احترامي الشديد لمكانة الأستاذ مفيد الجزائري ووطنيته، لكنني لم امنع نفسي من الضحك وأنا اقرأ أن السيد المالكي من دعاة الدولة المدنية، مثلما ضحكت من قبل حين قرأت تصريحا لأحد أعضاء ائتلاف دولة القانون يقول فيه إن "المالكي وحده القادر على إنقاذ البلاد من أزمتها". يعرف السيد الجزائري ومعه قادة الحزب الشيوعي إن جماهير الحزب ومناصريه ومحبيه كانوا قبل سنوات من اشد المتحمسين لكل شيء فيه رائحة الديمقراطية، وأمنيتهم الوحيدة التي لازمتهم طوال سنيّ حياتهم هي أن يروا العراق أنموذجا يحتذى به في مجال هذه الممارسة السياسية، لكن كل ذلك لم يحدث، واستولى على البلد سياسيون يتعوذون بالله كلما سمعوا لفظة ديمقراطية ودولة مدنية، ولهذا سحبت هذه الجماهير اعترافها بهذه النخب السياسية التي كان المواطن المسكين يعتقد أنها ستكون ماهرة في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من مهارتها في تعليم الناس الفضيلة والحشمة، واكتشفت الناس ومنها جماهير الحزب الشيوعي إن الساسة الذين جاءوا باسم الفقراء والمحرومين ورفعوا شعار المظلومية، كانوا أول من تحول إلى أغنى طبقات المجتمع، صدعوا رؤوسنا بخطب عن دولة القانون فيما هم يهربون أموال الشعب، دمروا الحياة السياسية وأقاموا بديلا عنها تجمعات شعارها المحسوبية والانتهازية، يرفعون شعار الأمن الوطني وهم يقفون حجابا على أبواب قادة دول الجوار. ويعرف السيد الجزائري جيدا أن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية هم اليوم اشد بأسا في ممارسة الوحشية والاستبداد التي مارسها صدام وأبناؤه ومقربوه من قبل. ولهذا اسمح لي أن أسالك يا سيدي عن أي دولة مدنية حدثكم المالكي.. هل هي دولة المفسدين وسراق المال العام، أم الدولة التي تحول فيها الوزراء إلى مرشدين للفضيلة والحشمة وفصل النساء عن الرجال، والتي توجت بلافتات محافظ بغداد العضو البارز في قائمة المالكي.إن إحدى أبرز مشاكل حكومة المالكي والتي يدركها السيد الجزائري جيدا، أنها حكومة تدعي العمل ليل نهار لإقامة الدولة المدنية، بينما تقوض في تصرفاتها العملية كل الأركان الواجب الحفاظ عليها لمثل هذه الدولة، ولدينا نماذج صارخة على هذه الازدواجية التي عانى منه المالكي وحكومته، وتكاد تصل بها إلى حالة فصام في الشخصية، فقد تابعنا جميعا الحملات الإيمانية التي قام بها مسؤولون في معظم المحافظات التي يسيطر عليها ائتلاف دولة القانون دون أن نسمع ردة فعل من المالكي؟ أم هي الدولة التي خاض فيها المالكي وائتلافه حربا شرسة ضد معظم مؤسسات الدولة من اجل إخضاعها وتسييسها وخصوصا مؤسسة القضاء والنزاهة وشبكة الإعلام وأخيراً مفوضية الانتخابات. السيد الجزائري.. افهم جيدا رغبة الحزب الشيوعي في أن تسود دولة المواطنة وان يصبح العراقيون جميعا متساوين بالحقوق والواجبات، وان يكون شعارنا الكفاءة أولا، وان نبني دولة مدنية لا تميز بين المواطنين ولا تعادي الأديان، لكن الواقع يقول إن الدولة المدنية ماتت وشبعت موتا وان مسؤولين كبارا حفروا لها قبرا عميقا، وان المواطن لم يعد يصدق شعارات وخطب الساسة عن الدولة المدنية، كيف تكون الدولة مدنية وفي دوائرها ومؤسساتها وفي الطرقات قوى سياسية تريد فرض تعليماتها ولو بالترهيب.السيد الجزائري لقد عاشت الناس خلال التسع سنوات الماضية مع سياسيين "نفعيين" على نحو يجعل شخصا مثل المرحوم ميكافلي ينحني احتراما لنبوغهم وتفوقهم عليه في التعبير عن مقولته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" مستخدمين شعارات براقة ومزيفة عن التوافق والمشاركة ورفض المحاصصة، ومن ثم وجدناهم يضعوننا جميعا أمام الأمر الواقع، ليتصرفوا على أنهم مُلاك هذه البلاد الشرعيون، وعلينا جميعا ان نعيش وفقا لما يمليه المالك من قواعد وشروط السكن في هذه البلاد .
العمود الثامن: عفواً أستاذ مفيد الجزائري!!
نشر في: 8 يوليو, 2012: 06:40 م