لينا مظلوم الأسباب التي دعت "بوصلة"اتجاه المصالح الأميركية إلى وضع مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي على كرسي رئاسة مصر لا تخرج عن استكمال ملامح الصراع المستقبلي(السني- الشيعي) في المنطقة العربية..و إعداد المسرح العربي و الدولي للضربة المتوقعة على إيران.
"سيناريو" استبدال دكتاتورية مترهلة، منتهية الصلاحية.. بنمط من الفاشية الدينية، أحال الوضع الداخلي المصري إلى حقل ألغام سياسي تحفل أرضه بالصراعات والمؤامرات و المخاوف.شخصية مرسي-كما أكد لي عدد من المقربين الذين عملوا مع الرجل أعواماً طويلة-لم يُعرف عنها صفات قيادية قادرة على أخذ زمام المبادرات..ربما بسبب شعار تنظيم الجماعة القائم على مبدأ"الطاعة العمياء".. فما أن انتهت مراسيم حلف اليمين ..بدأ صراع السيطرة على الرئيس الجديد..قيادات الإخوان المؤثرة تريد مرسي واجهة لها داخل قصر الرئاسة، ذلك اعترافا منه بالجميل للجماعة التي تؤمن أنها هي التي أوصلته من السجن إلى قصر الرئاسة. الجيش بدوره يرفض المغامرة بوضع القرارات السيادية المصيرية-مثل إعلان حالة الحرب وغيرها-في يد مرشح ينتمي إلى جماعة لها مع الجيش تاريخ حافل بالصدامات.. لذا بادر قبل تسليم السلطة بإصدار إعلان مُكمِّل للدستور يُبقي تحت سيطرته الكثير من السلطات و شؤون المؤسسة العسكرية، ذلك بسبب حالة الانفلات الأمني و التظاهرات الفئوية و سمات الفوضى التي سادت الشارع المصري عقب الثورة..و سرعان ما بدأت محاولات الجيش في السيطرة على الرئيس الجديد تتضح ملامحها. لعل أبرز الألغام السياسية في مصر هي أولاً ،تشكيل مجلس وزراء..إذ تبدي الشخصيات ذات الكفاءة و المنتمية إلى التيار المدني مخاوفها من الاصطدام بالفاشية الدينية و تنأى عن نفسها أن تحمل منصباً"صوري" يخضع فعليا لإرادة قادة جماعة الإخوان المسلمين.. و المثير للدهشة مبادرة الأحزاب السلفية- في إطار تصورها لحكومة محاصصة- إلى المطالبة بحقها في الوزارات الهامة مثل التعليم.. دون اعتبار قيمة و مستوى التعليم الذي تقدمه للأجيال وزارة يرأسها سلفي!!!و الأدهى أن المنتمين لهذه الأحزاب يرفضون "تحية العلم" و الوقوف احتراما عند عزف السلام الجمهوري!! و للقارئ تصور نتائج تسرب هذه الأفكار الشاذة إلى وزارات كالصحة و التعليم.ثانيا، تبقى قضية صياغة الدستور المصري "متعسرة الولادة" بسبب الخلافات الناشبة نتيجة رغبة التيارات الإسلامية- السلفية و الإخوان- في السيطرة على مسار و قرارات اللجنة القائمة على صياغة الدستور بما يلائم أهواءها. في إطار أجواء التصارع على السلطة..يشتد الهجوم الشرس على جماعة الإخوان التي لم تصبر طويلا على البدء في "أخونة" مؤسسات الدولة المؤثِرة..بدأت صراعاً مع القضاء في محاولة لترسيخ أقدامها داخل مؤسساته.. ثم جاء دور الصراع مع الأزهر نتيجة سعي جماعة الإخوان الهيمنة على هذه المؤسسة الدينية العريقة..كي تصبح هي صاحبة المنبر الأعلى صوتا كمرجعية دينية.. أخيرا تفجّر صراع الإخوان مع المؤسسات الصحفية القومية.. الصدام الأخير يُعتبر مثالا صارخا على رغبة التيارات الإسلامية السيطرة على هذه المؤسسات – بعد أن ضاقت ذرعا من هجومها المتواصل على هذه التيارات- و ذلك من خلال مجلس الشورى- الذي تُشكل غالبيته هذه التيارات- و إعلانه عن تغيير القيادات الصحفية بناء على تعيينات يقوم بها المجلس.. و هي طبعا اختيارات معروفة مُسبقا في توجهها لدى جموع الصحفيين..هذه الأزمة تبدو في طريقها إلى التصاعد من مرحلة التظاهرات اليومية أمام مقر نقابة الصحفيين و مباني المؤسسات الصحفية إلى مراحل أخرى تعكس رفض الصحفيين عامة لهذا الإجراء.القوى المدنية تبدو بعيدة عن الاستفادة من دروس الماضي القريب..نتيجة تعنت أصحابها في التفرد بالقرار.. فبعد تفرُق هذه القوى بين عدة أحزاب مما أدى إلى تشتت الأصوات الليبرالية في مختلف الانتخابات التي شهدتها مصر.. مقابل كتلة تصويت واحدة حشدتها الجماعات الإسلامية.. بدا مجددا ظهور أكثر من تشكيل سياسي مدني ليبرالي في مواجهة سيطرة جماعة الإخوان.. دون أن تضع هذه التيارات قوة التأثير التي ستكتسبها في حال تجاوز الخلافات بينها و التوحد في إطار حزب شعبي يجمع نصف الكتلة الانتخابية في مصر .. و هي التي منحت صوتها إلى رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق الذي نافس الرئيس الحالي في الانتخابات. في الإجمال لا يختلف كثيرا ما قاله مرسي عمّا بدأ به الرئيس السابق مبارك عن الحريات و الشفافية و طهارة اليد وعدم تجديد مدة الرئاسة..بينما وفق ما تؤكده مجريات الأمور إن الوافد الجديد إلى قصر الرئاسة سيتحول قريبا إلى"إله" من تمر النفاق و التملق.. في مناخ عام ينتقل فيه الحديث عن صفقات الساعات الأخيرة قبل إعلان نتائج الانتخابات - قد يكشف المستقبل عن ملابساتها – من مرحلة الشائعات إلى معلومات تتداولها مقالات كبار المحللين السياسيين في العالم – مثل روبرت فيسك و غيره- .rn كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة
"مرســي".. داخــل حقــل الألغـــــــام
نشر في: 8 يوليو, 2012: 06:49 م