TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: ما أكبر الفكرة!

أحاديث شفوية: ما أكبر الفكرة!

نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:06 م

 احمد المهناالمفارقة بين فكرة العراق وبين "العملية السياسية" كبيرة. وهذا ليس اسوأ ما في الأمر. الأسوأ هو أن أطراف هذه العملية يقومون عمليا، وبإرادة لاواعية على الأغلب، بما يؤدي الى تآكل فكرة العراق.
ان امكانيات العراق كفيلة بجعله علَما على النجاح بين دول وأمم العالم الثالث. فموارده البشرية وفيرة. وثرواته الطبيعية هائلة. وقد خصته الحضارة العربية الاسلامية برمزية تلهب وجدان المسلمين الذين يشكلون نحو ربع سكان المعمورة. كما ان ما في ارضه من آثار ومقدسات يهم جميع أهل الكتاب، ويؤهله لأن يكون احدى قبلات السياحة العالمية.  ما الذي يحتاج اليه البلد لكي يتحول الى هذه الدولة الناجحة؟ يحتاج الى أن يصير دولة ديمقراطية حديثة. وهناك فارق جوهري بين معنى هذه الدولة، وبين معنى "الدولة" القديم الذي مازالت "العملية السياسية" تشتغل بموجبه. فالدولة الحديثة هي أمة منظمة يجمعها هدف تحقيق الرفاه والحرية لمواطنيها. أما الدولة في الماضي فكانت تعني الاستيلاء والغلبة، تعني شيئا متداولا بالاكراه، يؤخذ بالسيف، مرة لهذا الأمير وأخرى لذاك.والتاريخ القديم والوسيط، والحديث احيانا، مليء بأمثلة دول الغلبة القديمة التي تعيش وتموت، أو تسود ثم تبيد، شأن الحضارات القديمة. أما الدول الحديثة فهي غالبا كالحضارة الحديثة نفسها من حيث اكتسابها طابع الاستمرارية والدوام. ولكنها قد تكون معرضة الى الانقسام في بعض الحالات، كما رأينا في الاتحاد السوفياتي، يوغسلافيا، تشيكوسلوفاكيا، والسودان أخيرا وليس آخرا. ولكن المسعى والهدف، حتى بعد الانقسام، يظل نفسه وهو التحول الى دولة حديثة.وما يمنع الدول من الانقسام هو شعور مواطنيها بوحدة الهدف والمصير، هو ايمانهم بالدولة التي يشعرون، فعلا وحقيقة، انها وطنهم جميعا. ويمكن القول بثقة أن أملا بوطن كهذا يراود أغلبية العراقيين. كما يمكن القول بثقة ايضا أن أطراف "العملية السياسية"، بإرادة لاواعية على الأغلب، يضعفون هذا الأمل ويزعزعونه.فلكي يقوى هذا الأمل فانه يحتاج الى أحزاب أو تنظيمات سياسية وطنية، تضم في صفوف كل منها أفرادا من جميع الطوائف والأعراق. وهذا مفقود عندنا، لأن تنظيماتنا السياسية "نقية" من التعددية، طائفية أو عرقية خالصة. شأن جماعات "التحالف الوطني"، وهي شيعية، و"العراقية"، وأغلبيتها سنية، واخيرا التحالف الكردستاني المعروف من عنوانه. أو أن تكون التنظيمات السياسية بهذه الصورة، لابأس، على أن تكون بنفس الوقت معززة بالايمان الصادق والواعي بفكرة العراق. ولكن هذا أيضا ليس متوفرا بالقدر الكافي.ولذلك فإن المفارقة بين فكرة العراق وبين "العملية السياسية" كبيرة. كما ان أعمال أطراف هذه العملية تأكل من الفكرة وتضعفها وتصغرها وتهددها. فهذه العملية جعلت أطرافها يخشى بعضهم من بعض، ويفتقد بعضهم الثقة بالبعض الآخر. وهذا  ليس لأنهم مختلفون طائفيا وعرقيا، فكل الدول الحديثة كذلك، ربما عدا اليابان، ولكن لأنهم يفكرون ويعملون بفكرة الدولة القديمة، فكرة دولة الاستيلاء والغلبة.وهذه الفكرة تعتمد على القوة العضلية. والكل فيها يريد أن يقوى على الكل، أو أن يحتاط من الكل، لأن الجميع يخاف من الجميع. انها دولة الخوف. أما فكرة الدولة الوطنية الديمقراطية فتعتمد على القوة العقلية. والكل فيها يريد المساواة في الحقوق والواجبات مع الكل. انها دولة الحرية، وإليها تنتسب فكرة العراق. فما أكبر الفكرة، وما أصغر "العملية السياسية"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram