باسم محمد حبيببينما يشهد العالم العربي ربيعا ثوريا عارما زلزل عروش الطغاة والمستبدين، يشهد العراق ربيعا من نوع آخر بعد أن استحالت الديمقراطية العراقية الوليدة إلى منصة للتجاذبات والصراعات بين شركاء الأمس من ربابنة العملية السياسية، ناهيك عن استمرار القوى المتناقضة مع بعضها ايديولوجيا وطائفيا في نشر الرعب والدمار في ارجاء البلد اشباعا لنوازع سادية ورغبات طفلية.
ان اخطر ما في هذه التجاذبات والصراعات انها غدت عاملا اضافيا من عوامل المحنة العراقية، لان هذا البلد الذي يتعرض لأبشع هجمة ارهابية يشهدها تأريخه ما كان له ان يعاني كل هذه المعاناة لو كان سياسيوه متصافين ومتلاحمين، لكن هؤلاء السياسيين الذين يمثلون مشارب مختلفة وأجندات متناقضة لم يسعوا للتنكر من تلك الاجندات لصالح الهدف الذي بنيت عليه شراكتهم السياسية وهو المشروع الوطني الجديد، انما دأبوا على التعامل بازدواجية بين ما تطلبه اجنداتهم وما تنشده العملية السياسية من استعادة للحمة الوطنية وبناء بلد ناجح. لقد ادى الصراع السياسي المتواصل في العراق إلى تردي واقع الخدمات وتعطل الكثير من مشاريع الاعمار مع تصاعد معدلات الفساد والجريمة المنظمة واستمرار محنة العاطلين عن العمل وغيرها من المشاكل التي يرزح تحت ظلها البلد، إلا ان اخطر الامور التي سببها الصراع السياسي هو التدهور المستمر في الواقع الامني والذي يتسبب يوميا بالكثير من الخسائر البشرية والمادية.وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المؤسسة الامنية العراقية وغيرها من المؤسسات الاخرى لكبح جماح العمليات الارهابية والتدهور الامني المستمر، إلا ان هذه الجهود تبقى غير قادرة على احداث تطور امني كبير بسبب تعقيدات الواقع السياسي واستمرار الخلافات بين القوى السياسية التي تتقاسم السلطة في البلد. وبالتالي اصبح المواطن الضحية الاولى لهذه الخلافات لا سيما بعد ان عادت موجة المفخخات لتوقف الطموح العراقي بالوصول إلى واقع اكثر أمنا واستقرار، وبدلا من ان يشهد العراق ربيعا أمنيا وخدماتيا وعمرانيا جارفا كما كنا نتأمل أو كما طرحته الوعود الانتخابية للسياسيين، شهد العراق ويشهد ربيعا للمفخخات والعمليات الانتحارية والقتل بالكواتم، الامر الذي يثير تساؤلات عديدة حول طبيعة المنطق الذي يحكم العملية السياسية والعملية المضادة لها. وبينما تسير الشعوب العربية الثائرة على طغاتها نحو فرض واقع جديد وبناء دولة المؤسسات التي يكون المواطن همها الاساس، فشل العراقيون حتى الان في تحقيق طموحهم الذي تولد مع بداية عمليتهم السياسية في جعل العراق بلدا ديمقراطيا يرفل بالأمان والاستقرار، فما اجمل ربيعهم وما اقبح ربيعنا.
ربيع المفخخات
نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:09 م