نضال يوسفليس غريباً ما يجري في الساحة السياسية العراقية هذه الايام، وان يحتدم الصراع بين المتنافسين على خدمة العراق والعراقيين! بطريقة قد توصل المجتمع الى حافات خطيرة لاطاقة به على تحمل نتائجها. وليس مفاجئاً ان يتمسك حزب السلطة بطروحاته ورجالاته، وان يشهروا كل اسلحتهم في مواجهة ازمة سحب الثقة عن رئيس الوزراء، الامر الذي اثار الرعب في نفوس الكثيرين من عودة مفاهيم اللابديل و" انا الدولة..والدولة انا"..
لقد كان متوقعاً كل ما يجري الان..اذ ان تشييد اي بناء على اسس لا تستند الى المعايير الهندسية المعروفة، ولا يراعى فيه حكمة البنائين، عادة ما يكون هشاً ومعرضاً للسقوط في مواجهة اول قبضة ريح حقيقية، مهما بدت طبيعية، ومهما كان مصدرها، خصوصاً عندما يزدحم البناء باناس لا هم لهم سوى العدو العشوائي في كل الاتجاهات، والتدافع المستمر، لاحتلال اكبر مساحة ممكنة فيه.لطالما تعالت اصوات مخلصة على مدى سنوات، وتأسست على اصدائها نقاشات طويلة بين التيارات والكتل السياسية المختلفة، خلاصتها اننا لا ينبغي ان نهلل للشراكة في الحكم، وننخرط في ما يدعى بحكومة وحدة وطنية، قبل معرفة بماذا نتشارك وحول ماذا نتوحد.ولعل عدم الاستماع لتلك الاصوات جعل ما لم يكن متوقعاً يصبح واقعاً، يفرض شروطه الملتوية على الاخرين، حتى راح القابضون على السلطة يسعون الى تكريس الواقع الجديد بكل الوسائل، وتحويل ما كان يتثير الاستياء والنفور من النظام السابق الى طقوس حياة يومية تزيد من فرقة السياسيين، وتنال من فرص الناس في الحياة.لقد كان واضحاً للجميع ان المعايير المطلوبة لانجاز عملية التغيير في العراق لا يفترض ان تقوم على رؤية الماضي، ولا يجب تأسيسها على ايديولوجية معينة، خصوصاً في ما يتعلق ببرامج واهداف الاحزاب والتيارات السياسية التي كانت في صفوف المعارضة، وانما ينبغي ان تنطلق من واقع الشعب العراقي ومتطلباته، وان تلتزم بمعطيات الحاضر وطبيعة التفاعلات التي شهدها العراق بعد عملية التغيير، الامر الذي من شأنه ان يجعل العراق كدولة، والشعب كمجتمع، صانعين للحوادث وليس منساقين وراءها او تابعين لنتائجها.ما جرى خلال الايام الماضية في قضية سحب الثقة من رئيس الوزراء، وما رشح من مواقف حزب السلطة ورموزه، في ان تغيير رئيس الوزراء يمكن ان يهدد البلاد والعباد، يكشف عمق المأزق الذي بني على اساسه العمل السياسي في العراق.وما يحدث الان في طبيعة التطورات التي صاحبت تلك القضية، انموذجاً صارخاً على ما يجتاح مخيلة حزب السلطة، من شعور دفين بالاحقية المطلقة في قيادة الدولة والمجتمع، وضرورة خضوع الكتل السياسية المطالبة بالتغيير، التي تمثل اغلبية سياسية في المنظور الواقعي، واغلبية جماهيرية في العرف البرلماني، وظهر التمسك بمفهوم الاحقية المطلقة في تصرفات وتصريحات رئيس السلطة ورموز حزبه، ومن خلال الاجراءات والتحوطات التي اقدموا عليها لافشال اية محاولات تهدد سطوتهم، مهما بدت دستورية، وحتى لو جرت بطريقة ديمقراطية.ازعم ان من اصعب الامور التي تواجه العراقيين في هذه المرحلة هي حقيقة ونمط السياسيين الذين يتحكمون باسباب الازمات المستمرة التي تجتاح البلد، وارتباط الكثير من مشكلاتنا في تفاصيلها الحقيقة بقوى خارجية مؤثرة وفاعلة في الحياة العراقية، الامر الذي يكشف عدم استقلالية القرار السياسي العراقي، على الاقل في تنظيم امورنا الداخلية، ولعل هو الاخر تجاوز حالة الارتباط ليصبح مرهوناً بمصالح ومطالب تلك القوى.وعلى الرغم من ان القوى السياسية التي تزعمت حركة سحب الثقة عن رئيس الوزراء لم يعد لديها الكثير من الخيارات، سوى الاستمرار بالرهان على الدستور واللهاث وراء اوهام الديمقراطية، لكن على السلطة ان تدرك ان ذلك سيبقى الى حين.. وفي المقابل على تلك القوى ان تتنبه الى ان عهود الامس انما هي خرائط عتيقة، خطف الزمن الوانها، لكنها لاتزال معلقة على الجدران بانتظار ان تطوى وان تنسى.
أنا الدولة.. والدولة أنا
نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:10 م