TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تضايف الروحي والواقعي في أعمال الفنانين السريان

تضايف الروحي والواقعي في أعمال الفنانين السريان

نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:19 م

د. جـــواد الزيـــدي     إن أية ملاحقة نقدية لأعمال الفنانين التشكيليين السريان في حقول الرسم والنحت والكرافيك تفتح الباب واسعاً نحو رافد من روافد الفن العراقي الذي يمتلك ميزات روحية ترتبط بتراث العراق الفني والتراث الشرقي الديني, على الرغم من وقوع هذه الأعمال في دائرة التعبير الإنساني الذي يتيح لنا مقاربة فنية مع آخرين أسهموا في صياغة أساليب فنية سواء في رسم الطبيعة أو تجريدها من عوالقها الخارجية
أو المغادرة إلى أعماق التأريخ للخروج منه بصيغة بصرية. إلا أن الملاحظ في هذه التجارب تضمينها الروحي والجوهري في خطابهم ولا تدع الشكل الفني والجمالي هو المهيمن الأول في ذلك الخطاب, بل أن المضامين حاضرة من خلال استثمار الإرث الروحي الذي تعرف عليه هؤلاء وتماهت ذواتهم مع آمنوا به.     ففي تجربة الفنان وسام مرقص انفتاح على الطبيعة العراقية إلى أقصاها والتمعن في جمالها الخفي, فقد رسم الجبل والأهوار والسهول والبيئة الريفية بذات الحساسية الجمالية محتفياً بالناس البسطاء وتوثيق حياتهم بشكل جميل, إذ رسم الأهوار والصيادين والفلاحين على ضفاف الأهوار وبيوتهم القصبية والطرق الوعرة التي تحيط بها أشجار النخيل المهملة والأشجار اليابسة, ولكنه رسمها بطريقته الخاصة التي تعكس ذاتية الفنان. وعندما رسم الجبل فقد رسم الرعاة وحياتهم وفضاءاتهم المحيطة مستخدماً كل التقنيات الانطباعية وما بعدها من التنقيطية التي أظهرت شكله أكثر جمالاً وتأثيراً مانحاً للفضاءات الزرقاء السماوية مساحة كافية للتعبير عن التعالقات التي تحدث بين هذين اللونين ومرموزاتهما الروحية .    وبذات المفهوم عاد الفنان سلام أدور إلى الأشياء الأولى في الطبيعة البكر معلناً انتماءه لهذا الواقع دون تدخلات إنسانية قد تسيء لهذا الشكل الجمالي بمفهومه الأول, لذلك فإن معظم رسوماته التي تحاور الواقعي والانطباعي في تصيّره الأول تفرز بنية مكانية علوية للاتصال بالسرمدي واللامتناهي من خلال اختيار اللحظة التي تعكس طبيعة الصفاء العلوي , وبهذا فان معادله الموضوعي هو صورة الذات الإلهية المطلقة المكرسة من خلال هذا التصيّر الذي تمثله صورة السماء الزرقاء بتجليها الروحي. إن أدور وان سار على خطى الانطباعيين الكبار في كل ما أنجزه من معانٍ تنتمي لهذا الفهم إلا انه جسد المعنى الروحي القابض على صورته خارج حدود التقنيات والآليات المستخدمة ضمن السياق البصري الذي ينتمي إليه.  وهذا بحد ذاته نزوع نحو الروح المرتبط بالمطلق واللامتناهي في حدود الرسموية العراقية وان لوحته المأخوذة من الطبيعة المتخيلة تنم عن تلك التأكيدات التي سعى إليها, وهي مناطق الحلم, بمعنى انه يصور ما يحلم به لطبيعة المكان وان يحتوي على مفردات واقعية مثل النخلة والشجرة والجبل والوادي والزهرة وأعشاب الصحراء, إلا أنها لا تنتمي الى الواقعية المفرطة في التناول, بل إلى الواقع الحلمي الذي يصوره الفنان ويدرك أدواته تماماً. وحتى عندما يرسم امرأة فانه يصور ثيابها عبارة عن أزهار تشكل نسيجاً يستر جسدها وهذا يرتبط بالفهم الأول والاحتفاء بالذاكرة الفطرية للإنسان ومحيطه البيئي, كما يشير رأسها الى نقطة التناهي المجهولة في ضوء نظراتها العلوية المتجهة نحو الأفق المفتوح الى اللانهاية .    أما النحات المتصوف مازن إيليا، والفاعل العضوي في إدارة مؤسسات الفن وتواصله الدائم في معارض الفن العراقي في بغداد والمدن الاخرى , فانه مخلص للنحت, وهذا الإخلاص نابع من تجذره في تربة وادي الرافدين والخلاصات الجمالية التي قدمها الفنان السومري والآشوري خلال قرون من التأمل, إن انتماءه للنحت تحيل علاقته الوطيدة مع ذلك الزمن المضيء والمزدهر .    فمعظم أعماله تحتوي على هيئة إنسانية مع التواطؤ الروحي المشع, فنجد تماثيله تنضوي على شخوص تصيّروا بهيئات مختلفة تحتفظ بدلالة الحركة والمضامين الكامنة خلف الشكل العياني . انه عندما يحيط نماذجه الإنسانية بدائرة واحدة يقف فوقها هيكل إنساني بكامل مواصفاته فانه يشير ضمناً الى السلطة التي تضع هؤلاء ضمن دائرتها الذين يرفضون منطقها والتهكم به, ذلك الذي تعكسه نظرتهم المتفائلة للمستقبل على الرغم من كل ما يحمله من خفايا ومستور. إن إغلاق محيط الدائرة يعني اللاعودة والمجهول في الوقت ذاته على الرغم من الفضاء الأمامي المفتوح, إلا أن الإيماءة لا تشير إلى اية مسرات يحملها الغد الآتي من خلال الكتلة الحجرية التي تغلق المنافذ الخلفية للدائرة. إن الروحي والقدري في أعمال (إيليا) هو ما يعزز روافده النظرية المحركة للخطاب البصري المتفرد عن معالجات الآخرين لاتصاله بإنفاق التأريخ المضيئة في ما يخص تجلي الإرث النحتي في أعماله الحداثية التي أضفاها عليها وما يفرزه التاريخ من حتميات استجاب لها الفنان في خطابه المرئي .     إن تمسك الفنان السرياني بالواقع البيئي يعني تأكيده على الهوية والانتماء إلى الأرض والسماء, فلذلك صوّر كل ممكنات البيئة دون أدنى تمييز مع الارتكان إلى الشعبي في الطبقة والأزياء دلالة الأصل الذي لا يمكن تزييفه أو النيل منه. فلو تتبعنا ما رسمه الفنان لوثر ايشو نجد انه رسم امرأة من سهل نينوى ترتدي الزي الشعبي المملوءة بالخ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram