د. معتز محي عبد الحميد لقد بات المجتمع بأغلبية سكانه وبجميع مللهم وطوائفهم وقومياتهم موحداً حول نبذ العنف والأعمال الإرهابية، وهذا ما يساعد في إمكانية إدامة وتحشيد الجهد الشعبي طوعياً لصالح مواصلة ضرب بؤر الإرهاب والجريمة .
إن الأمن مسؤولية مشتركة بين الأجهزة المختصة والمواطنين بشكل عام, ولا يمكن الحديث عن استقرار امني حقيقي وملموس من دون وجود روابط من الثقة المتبادلة بين الأجهزة الأمنية والمواطن... ومن المعروف بل هو من بديهيات العمل الأمني وضع خطة للتعاون مع المواطنين قادرة على شل أو الحد من تحرك المجاميع الإرهابية بمختلف عناوينها, حيث من دونها يكون الحديث عن تحقيق استقرار امني ضربا من الخيال ليس إلا . إن العاملين في الأجهزة الأمنية يعرفون أكثر من غيرهم أن إدامة هذه العلاقة ليست لها علاقة بعمل (المخبرين السريين ) الذين شرعت لهم مبالغ ومكافآت مجزية لقاء ما يقدمونه من معلومات لتلك الأجهزة تكون أحيانا هذه المعلومة غير أمينة ومبنية على قناعات شخصية ليس إلا, إن العمل الأمني والاستخباري اكبر من ذلك .. اكبر من إعلان أرقام هواتف للاتصال عند الشك بأي حالة ... انه أعمق من كل تلك الإجراءات الروتينية الشكلية ويتعداها بخلق مناخ ثقة عام لدى المواطن يحفز عنده الشعور بأن الحفاظ على الأمن يعني بالدرجة الأولى أمنه هو وعائلته وجيرانه . وهو واجب وطني لا يقل أهمية من الدفاع عن الوطن , ويعلم المحترفون في الأجهزة الأمنية أن مثل تلك الثقة صعبة التحقق ومستحيلة إذا لم تبن على أساس علاقات الاحترام , إن لم نقل , الحب والمودة بين رجال الأمن والمواطنين اللذين يفترض أن يسودا في ظل النظام الديمقراطي الذي وعدنا بتحقيقه , بدلا من حالات الخوف والارتياب التي ظلت سائدة طيلة السنوات الماضية بين الطرفين .لقد بات المواطن أسير وضحية ممارسات تندرج في إطار التدابير والاحترازات الأمنية, أو هكذا يجري التعامل معها في أروقة التحقيق والمحاكم .. ومن إحدى مظاهرها الخطرة ما يعرف بالمكافآت لقاء المعلومة الأمنية أو أحيانا ما يسمى (المخبر السري). ووفقا لهذا الابتكار الأمني الجديد يكفي بتكليف واش مأجور التقدم بإخبار مظلل عن أي مواطن بريء يعرض للملاحقة والاعتقال حتى قبل ثبوت التهمة عليه. وهو في مثل هذه الحالة لا يحتاج المخبر سوى فبركة وتزوير وثائق ومستندات يرفقها بإخبارياته لتكتمل أركان المعلومة التي يقدمها الواشي للجهة الأمنية ويساق البريء على ضوئها إلى المعتقلات والمحاكم , ولم يعد التزوير في أيامنا عصياً على احد خصوصاً على أولئك الذين وجدوا فيه مجالاً لا حدود للارتزاق به . فاستخداماته وميادينه تجاوزت كما أصبح معروفا للقاصي والداني أروقة المحاكم واللجان التحقيقية والمعتقلات وتهريب المجرمين وغيرها . وليس من المعقول أن المكافأة المادية تبني علاقة صحيحة بين المخبر وبين الأجهزة الأمنية وإنما يتطلب استبقاء التحفيز الأمني للمواطنين وإطلاعهم على ما ينبغي معرفته, وتوفير عناصر أمنية (سرية ومكشوفة) ذات مهارات عالية وأجهزة استخبارتية ومعلوماتية كفوءة ومخلصة وتكنولوجيا أمنية متطورة , مدعومة بجهود سياسية وشعبية دوره المهم في توجيه الجهد الامني ليكون أداؤه منتجاً وفعالاً بما يأمله منه المجتمع.
تحت المجهر: واش مأجور.. أم مواطن غيور
نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:35 م