د. نجم عبد الله كاظم لعل واحدة من ظواهر الكتابة العراقية بشكل عام، والروائية منها بشكل خاص، ظاهرة الكتابة النسوية، نعني كتابة المرأة للرواية. فإذا ما بدأت بوادر هذه الظاهرة منتصف الثمانينيات وصارت واضحة نوعاً ما منتصف التسعينيات، فإنها صارت أكثر من أن تكون عادية نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة.
وهنا يجب أن نوضح حقيقتين، أو هكذا نراهما ونحن نعتمد، في هذا، على استقراء فهرست الرواية العراقية شبه الكامل لدينا، قد تبدوان متناقضتين، وما هما كذلك. أولاهما هي أننا حين نقول ظاهرة فإنما نعني أن حضور المرأة العراقية كاتبةً في الكتابة الروائية هو اقتحام قوي يفرض نفسه على الناقد والمؤرخ الأدبي، وربما حتى الدارس الاجتماعي ودارس الجندر. الحقيقة الثانية هي أن القول بهذه الظاهرة لا يعني أن المرأة لم تكن حاضرة من قبل في هذا المجال، بل هي حاضرة ومن عقود عديدة، وقد مرّ من حيث العدد والقوة والفاعلية والنوعية، في ما يشبه المراحل. ولعلنا نقدم، في ما يأتي من فقرات قليلة، هذا الذي نذهب إليه.قد تكون المحاولة النسوية الأولى لكتابة رواية، أو قصة طويلة، هي (من الجاني) لحربية محمد التي صدرت عن مطبعة الجامعة ببغداد عام 1954. وإذ لا يحقق هذا العمل على المستوى الفني شيئاً، فإنه قصة قصيرة طويلة أكثر منها رواية، إذ تقع في أقل من سبعة آلاف كلمة، كما لا يجمعها بالرواية، إن كان هناك ما يجمعها معها، غير أنها منشورة منفردةً في كتاب. وعليه نحن حين نذكرها هنا فللأمانة العلمية أولاً، وللتثبيت التاريخي ثانياً، وفي النتيجة فهي لا تكتسب من الريادة شيئاً.وهناك محاولات أخرى لعلها تصبّ في الخانة نفسها، إذ هي تفتقد مقومات فنية مختلفة لتكون روايات بحق، وقد لا يزيد عددها، من بعد صدور محاولة حربية محمد عام 1954 وحتى صدور رواية سميرة المانع "السابقون واللاحقون" عام 1972، على الخمس أو الست، منها "نادية"- 1957- لليلى عبد القادر، و"جنة الحب" – 1968 - لمائدة الربيعي و"أشواك في الطريق" - 1970- لسميرة الدراجي. ولعل أهمها وأكثرها اقتراباً من تحقيق شيء في مسار الكتابة الروائية العراقية عموماً، والكتابة الروائية النسوية منها خصوصاً، هي "نادية" بجزئها الأول الذي كان يعني بالطبع صدور جزء ثان لم يصدر فعلاً، لليلى عبد القادر. هذا العمل يقترب بالتأكيد من الرواية مقارنةً مع عمل حربية محمد، بل مع الكثير من المحاولات الروائية والقصصية الطويلة التي صدرت قبلها معها وبعدها بسنوات، الأمر الذي يبدو أنه شجع بعض الدارسين للتعبير عن بعض الحماسة لها، وعلى رأس هؤلاء الدكتور عبد الإله أحمد الذي قال فيها: "هي تبدو للقارئ، منذ الوهلة الأولى التي يأخذ بقراءتها، عملاً روائياً حقاً بُني على هذا النهج (التقليدي) الذي بُنيت عليه روايات القرن التاسع عشر في أوربا"، مع أننا لا نتفق مع أستاذنا الكبير في هذا.(2)انتقالاً إلى عمل سميرة المانع الذي سبق ذكره، نعتقد أن "السابقون واللاحقون"، مع كل ما افتقدته من مقومات روائية، قد تجاوزت بالتأكيد جميع المحاولات الروائية النسوية العراقية السابقة، كما أن ما اكتسبته أو حققته روائياً، حتى مع ما افتقدته من تلك المقومات، يبرّر التعامل معها على أنها رواية، أو رواية قصيرة إن شئنا، الأمر الذي ربما يتيح لنا أن نعدّها أول عمل تكتبه امرأة عراقية، ويقترب، ولا أقول يصل، من أن يكون رواية بحق، وهي صادرة عن دار العودة، بيروت، 1972.استمراراً مع البحث عن الريادة في الكتابة النسوية العراقية، معروف أن نازك الملائكة وضعت شروطاً أو مواصفات، وليس السبق التاريخي فقط، للريادة لتكون ريادة، هي: السبق التاريخي، وأن لا يكون ما العمل واحداً ولا يكونه جهداً فردياً، وأن يصاحب (الرائد) مَن يؤيده ومَن يعارضه، وأن يصاحبه اشتغال نقدي أو حركة نقدية تتناوله أو تنظّر له، وأن يؤدي أو يدفع آخرين للكتابة أو التأليف على منواله أو في مساره. وعليه ولأن الكثير من هذه الاشتراطات قد تحققت مع سميرة المانع في "السابقون واللاحقون"، فإن العمل وصاحبته يكتسبان باستحقاق صفة الريادة في الكتابة الروائية النسوية في العراق، خصوصاً وقد توالت بعد ذلك الأعمال الروائية وشبه الروائية والقصصية الطويلة للعراقيات، ومنهن سميرة المانع نفسها، كما أن النقد أخذ يتناولها إلى جانب روايات الرجال.لعل أهم هذه الأعمال التي ظهرت خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، والتي قد يزيد عددها على العشرين عملاً روائياً وقصصياً طويلاً، إضافةً إلى عمل سميرة المانع الثاني "الثنائية اللندنية"- 1979- هي: "ليلى والذئب"- 1981- لعالية ممدوح، و"فجر يوم وحشي"- 1985- و"ممر إلى الليل"- 1988- وكلاهما "لابتسام عبد الله، "لو دامت الأفياء"- 1986- و"ذاكرة المدارات"- 1988- وكلاهما لناصرة السعدون. ولكن الأهم الذي يُسجَّل لمسيرة الرواية النسوية في هذه المرحلة هو ظهور روائيتين، نعتبرهما أو- على الأقل- سيكمن اعتبارهما سريعاً بعد ذلك ضمن أهم أعلام السرد النسوي عموماً، نعني بهما عالية ممدو
الرواية النسوية العربية في العراق.. مـن الحضـور إلى الظاهــرة
نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:46 م