معد الشمري تتعدد طرق تأثير وسائل الإعلام وتتنوع أساليب مخاطبة الفرد والمجتمع، وتختلف طرق استجابة المتلقي، الذي أصبح هو الآخر مشاركاً في الحدث، بل صانعاً له، وبذلك تتغير الفكرة القديمة السائدة، التي استمرت عقوداً حول " استسلام" هذا المتلقي " البريء" لتحكم تلك الوسائل ذات اليد الطولى والتأثير الأكبر والأكثر نجاعة من غيرها من الوسائل الأخرى.
المواطن (Citizen journalism) اليوم قطعت شوطاً طويلاً، ورسخت لمفاهيم جديدة لا يمكن التغاضي عنها أو نكرانها والقفز فوق ما خلفته من تأثير واضح تعدى إلى أبعد الحدود كل التأثير السابق الذي تركته وسائل الإعلام منذ نشأتها وحتى الآن، وهذا قول لا مبالغة فيه، في ظل ما حدث ومازال يحدث على الساحة الدولية من تغييرات وقف العالم خلالها على رؤوس أصابعه وهو يتابع أحداث ما يسمى بــ " الربيع العربي" في دول التحول والانتقال نحو الديمقراطية وبناء المجتمع المؤسساتي الحديث. فهل نبالغ إذا ما قلنا إن المواطن اليوم هو صانع الحدث وهو ناقل ومشارك في توضيح والتعليق على معالم الحدث؟! الملفت في الأحداث الماضية، أن حرية الإعلام ونقل الحدث والإشارة إليه أصبحت في خطر وفي حرج شديد أيضاً؛ فالقنوات الفضائية وقفت عاجزة أمام المد الهائل من المحتوى المنتج المقدم من قبل الجمهور " المتلقي" سابقاً؛ إذ أن المحتوى المنتج تجاوز إلى حد كبير المحتوى المؤسسي؛ ولم يعد بإمكان وسائل الإعلام التقليدية- إلا ما ندر- اللحاق بركب الإعلام الجديد(New media)، الذي فتح آفاقاً رحبة لتحدٍ كبير ومنافسة شديدة، وعليه فالقنوات الفضائية، وبشكل عام وسائل الإعلام التقليدية، مدعوة في ظل التحديات الحالية والمستقبلية للتحرر من عقدة الاحتكار والدوران في فلك صانع القرار أو مالك رأس المال من جهة، ومن جهة أخرى التحرر من عقد التقليد الأعمى للمنتج الأجنبي. ولعل سهولة التعامل مع الشبكات الاجتماعية، وسهولة الوصول إلى المعلومات وسرعة نشرها وتوزيعها، فضلاً عن تحفيز الأفراد ليكونوا أكثر فاعلية للحصول على تلك المعلومات، هي من العوامل العديدة التي أدت إلى نجاح الإعلام الجديد وتفوقه على الإعلام التقليدي. وفي هذا السياق لابد أن ينتبه القائمون على وسائل الإعلام التقليدي إلى أن الإعلام بحد ذاته هو مترجم لواقع المجتمع وفعالياته المختلفة، سواء كانت سياسية، اجتماعية، الثقافية أو فنية، وهو مؤثر فعال في الحراك اليومي لفئات المجتمع، وهنا مربط الفرس والمنطلق للعمل الذي يجب أن تنهض من خلاله الوسائل التقليدية للحاق بركب وسائل الإعلام الاجتماعي الجديد. وفي ضوء ما تقدم، هنالك حاجة ملحة للتوازن وضبط إيقاع الصراع بين الإعلام الجديد والتقليدي، للوصول إلى التكامل، بدلاً من تشتيت الجمهور العادي وتشويش أفكاره، وهي قضية غاية في الأهمية. وهنا تبرز بقوة الأسئلة التالية: هل طويت صفحة الصراع بين وسائل الإعلام التقليدية بعضها مع البعض الآخر؟ وهل انتقلنا فعلاً من مرحلة الصراع المخفي بين الإعلام الجديد والقديم إلى مرحلة الصراع العلني؟ وكيف سيكون شكل المعركة المقبلة بين وسائل الإعلام التقليدية والوافد الجديد على الساحة " الإعلام الجديد" أو وسائل الإعلام الاجتماعية؟ ومن سيكون حطب أو وقود هذه المعركة؟ وأخيراً نتمنى ألا نعود إلى المربع رقم واحد، لنجد أنفسنا أمام ضحية جديدة- قديمة، لسوء نقل الحقيقة والتعبير عنها، ألا وهو المتلقي ذاته..! ولعل الأيام المقبلة حُبلى بالكثير من المتغيرات، التي ستختبر قوة وإمكانية صمود طرفي الصراع أو تقبل بعضهما للبعض الآخر!
الإعلام الجديد والتقليدي بعد الربيع العربيّ
نشر في: 9 يوليو, 2012: 06:12 م