أحمد ذهيب أرادت الولايات المتحدة أن تصنع دولا حديثة على أطلال دول تعاني من حكام مستبدين فطرحت مشروع الشرق الأوسط الكبير على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش الابن . لكن هذا المشروع أصابه تلكّؤ كبير، كون هذه الأنظمة استطاعت أن تثبت سلطانها بالقوة فضلا عن أن شعوب المنطقة لم تكن مهيأة للمساهمة في عملية التغيير ربما لأنها ألفت أو تكيفت مع هذه الأنظمة ولا ترغب في تبديلها بأخرى مجهولة المعالم كما في حكاية الثعلب والذباب
" يروى أن ثعلبا أراد أن يعبر بركة ماء فلما وثب علقت رجله بجذر شجرة وحاول مرارا وتكرارا تخليص نفسه لكنه فشل حتى جرح وتجمع الذباب على جرحه ، مر القنفذ وشاهد الثعلب فلم يسره المشهد وهو يرى الثعلب يتألم فعرض عليه المساعدة فرفض الثعلب المساعدة معللا رفضه أن أترك الذباب على وضعه أفضل فإن طردته سيأتي غيره ويؤلمني أكثر" . وربما إن وجود هذه الشعوب في الأقاليم الحارة أعطاها صفة السلبية السياسية حسب قول جان بودان: " إن سكان المناطق الحارة يمتازون بالسلبية السياسية ولذلك فان حكم الطغيان أو الحكم الديكتاتوري هو الأصلح لتلك الشعوب على عكس سكان المناطق الباردة . أو أن الغالبية التي تعمل في الزراعة كون أراضي هذه المناطق تتمتع بالخصوبة أبعدها عن السياسة فاكتفت بطلب الأمن، وهذا ماذهب إليه مونتسكيو إذ قال" إن الفلاحين لا يطلبون سوى الأمن " لذلك فإن النظام الدكتاتوري هو الأفضل في المناطق الزراعية الخصبة .وفي خضم ذلك فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بدأ مشواره في العراق اصطدم بعقبات كثيرة منها :1ـرغبة دول الجوار في تعطيل هذا المشروع كونه يطأ أنظمتهم على الرغم من أن بعض هذه الأنظمة وصلت إلى الحكم عن طريق الانتخاب لكنها ليست كما ترغب أمريكا. 2 ـالجهل المستشري بين الجماهير بسبب سياسات الحكم الدكتاتوري.3 ـ عدم أهلية القوى السياسية لقيادة هذه المرحلة وفشلها في طرح نفسها كبديل ناجح. 4 ـلعبت الولايات المتحدة الراعي الرسمي للمشروع دور المتفرج ولم تحرك ساكنا لإنجاحه .فقد شهدت فترة تحول نظام الحكم في العراق من دكتاتوري إلى ديمقراطي نشوء وتدفق الكثير من الأحزاب السياسية ظنا منها أن هذه الكثرة هي ما يميز نظام الحكم الديمقراطي عن نظام الحزب الواحد، وعلى الرغم من أن التعددية هي من مميزات الحكم الديمقراطي لكن ليس على الشاكلة العراقية كون هذه الأحزاب غير مرخصة قانونيا ،لعدم رغبتها مجتمعة في مجلس النواب في إصدار قانون الأحزاب السياسية مما جعلها أحزابا وهمية يحمل اغلب أعضائها الجنسية المزدوجة والشهادات المزورة جعلها غير المؤهلة رسميا لقيادة البلد ، كما أن هذه الأحزاب لا تؤمن بالديمقراطية في تنظيمها الداخلي حيث أن أغلبها ومنذ تأسيسها لم تمارس الانتخابات لاختيار الأمناء العامين لها، والمتبقي ورث الأمانة العامة عن أبيه ، فكيف لها أن تقود البلد إلى مصاف الدول المتقدمة. مما تقدم فإن الديمقراطية التي حصلنا عليها ديمقراطية بلا ديمقراطية، أدخلت البلد في دوامة العنف وفوضى سياسية واقتصادية على الرغم من وجود مقومات الرخاء. فأصبح الشعب يبحث عن البطل المنقذ صانع الحدث الذي يقود شعبه إلى الأمن والرخاء ،وأخذ الكثير يسأل ألا يوجد في العراق رجل كمهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق أوالرئيس البرازيلي السابق ماريو دي سيلفا لما لهذين الرجلين من دور في انتشال بلديهما من حال إلى آخر. ليحل البطل صانع الحدث محل الديمقراطية العرجاء أو نواة لديمقراطية غير قابلة للتنفيذ في الوقت الحاضر على الأقل وربما سيستأثر بالحكم ويعود بنا إلى الديكتاتورية مرة أخرى.
ديمقراطية بلا ديمقراطية
نشر في: 9 يوليو, 2012: 06:12 م