TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > كيف نفي الريحاني من لبنان الى العراق؟

كيف نفي الريحاني من لبنان الى العراق؟

نشر في: 16 أكتوبر, 2009: 04:22 م

مجلة الحوادثملف عن الريحانيفي بداية سنة 1934 دعت جمعية الحياة الادبية، في بيروت امين الريحاني ليبدي في خطاب رأيه في حالة الوطن فألقى خطابا ناريا بعنوان بين عهدين اي بين العهد العثماني البائد والعهد الفرنسي الذي كان قائما فكان هجومه على العهد الانتدابي الاحتلالي الفرنسي جريئا بصراحته المدوية الكاسحة التي فضلت عليه العهد العثماني السيئ الصيت من باب اهون الشرين،
فقامت قيامة السلطة الفرنسية المسيطرة وكان من نتيجة غليان استيائها من خطاب الريحاني ان تآمر بنفيه الى العراق في عهد المغفور له الملك الشهيد غازي الاول.ولنترك صديقته الوفية اديبة لبنان الكبيرة السيدة (سلمى صائغ) رحمها الله تروي لنا حكاية نفي الريحاني كما شاهدتها وعايشتها وذلك في مقالها الوثائقي الرائع (الريحاني الكبير) المنشور في ص 236- 260 من كتابها الخالد (صور وذكريات) ط2 بيروت، دار الحضارة سنة 1964، وقالت:كانت الساعة تدق العاشرة والبرد ينخر في العظام عندما طرق زوج ابنتي الاستاذ صلاح لبكي، باب داري، قال:اعتذر عن ازعاجك في مثل هذه الساعة المتأخرة ولكنني رأيت واجهة البيت مضاءة فحسبت انك لا تزالين ساهرة، جئت لاقول لك ان في ادارة الامن العام قرارا يقضي بابعاد صديقنا الريحاني الى ماوراء الحدود لابد من اطلاعه على الواقع حتى لايجيئه الامر مفاجأة..-وماهي حيثيات القرار؟.-هي اهاجة الرأي العام وتكدير الامن بسبب خطابه الاخير.وتواصل الاديبة سلمى صائغ روايتها قائلة:عند الساعة السادسة من صباح اليوم التالي كنت في طريقي الى بيت السيد يوسف صادر زوج السيدة اديل شقيقة امين الى ان تقول:قصصت عليها الواقع فامتقع خداها ثم تجلدت وقالت بهدوء.-كنت انتظر هذا...ونادت (امين) فجاء وعلى كتفيه عباءة بنية من صوف الجمل قال:ياهلا، ياهلا، بارك الله فيك يا (خويتي) سلمى تعالي نشرب قهوة الصباح، ما احسن هذا النهار، وتواصل سلمى صايغ روايتها قائلة..رافقته من البهو الكبير الى ردهة الاكل وتركت السيدة اديل تنبئه بخبر ذلك القرار ظل هادئا يبتسم ثم قال: حسنا وقدم لي كرسيا وجلس في الجهة المقابلة..كانت ردهة الاكل منفصلة عن البهو الكبير بابواب بلورية يقابلها ابواب اخرى تؤدي الى شرفة فسيحة تشبه مايسمونه (حدائق الشتاء) وفي احد الجدارين باب يقود الى دهليز متصل بدائرة المطبخ ينتهي بباب على الدرج هو غير باب البهو الرسمي وفجأة دخل رجلان غريبان دون اي اذن، او انذار، وقف الاول في الباب المؤدي الى الدهليز بينما الثاني يدخل من ناحية البهو الكبير.-حضرتكم امين بك؟-انا لست بك انا امين..لن انسى وجهه في تلك الساعة، ذلك الوجه الاسمر، والرأس الوحيد التركيب، والانف القوي، والشعر السليم يتماوج فيه سلم الالوان الفضية والرمادية وتينك العينين البعيدتين العميقتين حتى ينكشف للناظر اليهما وحي اللانهاية.وتجهم وجهه واندفع الدم الى جبينه وعنقه واذنيه فازداد سمرة.-تفضلوا اجلسوا..وجلس احد الرجلين على كرسي كبير في الزاوية، واخذ يطوي اطراف قبعته بحركة عصبية، اما الثاني فضل واقفا مرتبكا واخيرا قال وهو يزن الكلمات والحروف.-يااستاذ امين اوفدتنا ادارة الامن العام اليك حتى تشرف وترافقنا الى مكتب السيد بوشد، لاتؤاخذنا يا استاذ يعزّ علينا والله، ولكننا مأمورون. اعذرنا اننا خجلون.. قال امين:-نعم الحق معكم انكم عبيد مأمورون والسيد بوشد يثبت اليوم ما قلته في خطابي، ان الاقلام مقيدة والافواه مكمومة، اعذروني، نسيت الضيافة ياخويتي سلمى اسكبي القهوة للضيوف الى ان تقول:وجلس الرجلان مأخوذين بذلك الجلال، جلال الحكيم، والعالم والمصلح والاديب المتعبد الى الادب ابان الفتوة والشباب والكهولة..كانا مثل كل من نعم بالدخول الى مجلس الامين، تحت سحر النبوغ والامارة، امارة الخلق العظيم الذي وهبه الله هذا الرجل الوحيد الاوحد فظهر في نظراته التي حوت وداعة النساك وطهارة الاطفال.لم تتنازل السلطات الفرنسية عن قرارها الحاسم بابعاد الريحاني ونفيه الى العراق ولم تلغ مرسومها الجائر رغم توسط نخبة خيرة من رجال الفكر في لبنان لالغاء مرسوم النفي ولكنها اضطرت الى تخفيف النفي الى المعتمد السامي في بغداد ان يؤشر على جواز سفر الريحاني بما يسمح له بالرجوع الى لبنان ساعة يشاء، ولكن الريحاني ظل في بغداد معززا مكرما اكثر من اسبوعين ليجمع مادة كتابه المثير (قلب العراق)..ولابد لكاتب هذه السطور وهو يذكر للقارئ العربي الكريم هذه الحادثة التاريخية عن فيلسوف الفريكة المغفور له امين الريحاني كما وثقتها المغفور لها السيدة سلمى صائغ من ان يشير الى موقفين مشرفين في هذه المحنة التي تعرض لها مفكرنا الحر الاول: اقتراح سيدة لبنانية القيام بمظاهرة كبرى لمرافقة الريحاني العظيم الى الحدود في ثلاثمائة سيارة.. والثاني لاخي وصديقي الوفي الشاعر الكبير المغفور له صلاح لبكي الذي كتب مقالا ناريا نشرته له احدى الصحف اللبنانية هزّ فيه النخوة العربية في كل مكان تناقلته الصحف العربي ومنها جريدة (الطريق) البغدادية، السنة الاولى- العدد 252 الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني سنة 1934 الذي نسيته بين اوراقي المبعثرة في بغداد، فهل ينجدني اخي الناقد اللبناني الكبير الاستاذ جهاد فاضل بالبحث عنه في الصحافة اللبنانية لشهر كانون الثاني 1934 لينشره برمته في (الحوادث) الغراء لاكون له من الشاكرين الممتني

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram