كتابة/ فرات إبراهيم.. عدسة/ محمود رؤوف كثيرة هي الأمثال التي تضرب عن جلبة وهرج هذا السوق، منها ما يمكن نشره ومنها ما يتعدى حدود اللياقة، فهذا السوق كان مضربا لأمثال الضجيج وقد وجد العاملون في هذا السوق ومنذ سنوات إنشائه لغة يتفاهمون بها تتغلب عليها الإشارة في أكثر الأحيان، وإذا ما قادتك قدماك وصديقك للذهاب إلى الجانب الآخر
من سوق النهر أو سوق القماش عبر هذا السوق تذكر أن تتوقف عن الكلام حتى تبعد عشرات الأمتار عن صوت الطرق، اليوم لم تعد تلك الأصوات سوى لحن نشاز عزفته أنامل من الماضي، فيغلب هذه الأيام على السوق الصمت المطلق بسبب تحول اغلب العاملين فيه إلى التقاعد القسري، أو تحويل مهنتهم إلى مهن أخرى بدأت تغزو هذا السوق التراثي الجميل ببضائع صينية غالبيتها من الأقمشة والأواني المصنوعة بأحدث التكنولوجيا العصرية. ملامح جديدةيسمونه سوق الصفارين أو سوق الصفافير تضرب به الأمثال لهرجه وكثرة الجلبة التي فيه، وما أن تزور بغداد إذا كنت سائحا أو ابنا لهذا البلد فإن أول الأشياء التي عليك زيارتها هذا السوق.. من خلال تجوالك فيه تشم عبق الماضي وتزدحم في مخيلتك قصص الزمن البهي الجميل تتيه في عالم النقش والزخرفة من خلال أنامل أنهكتها السنون، فبدت ترتجف بفعل تقادم العمر ومع هذا التقادم فإنها تمنحك الجمال والإبداع وسر المهنة التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد الآخر.. هذا واقع عشته وعرفته عن هذا السوق منذ سنين ولكن ما أن خطت قدمي من جديد شارع الرشيد حتى تاهت عليّ ملامح السوق فظننت أني الآخر أعيش تقادم العمر وجنوح الذاكرة .. سألت احدهم ..أين يقع سوق الصفافير؟ فما كان منه إلا أن أشار الى المكان الذي يبرأ ذاكرتي من هذا الجنوح هو ذاته السوق ولكن ملامح أخرى أحالت هذا السوق الى سوق آخر غريب الملامح والتفاصيل .. سوق يزدهر فيه بيع الأقمشة وهمس الكلام ويغيب عنه طرق النحاس والضجيج! سيد مهدي والنحاس الأحمر والأصفردخلت السوق وكانت عيني تتجول في ذاكرة الصور وتتجاهل المرئي أمامها من صور أخرى ..باعة الأقمشة بدت محالهم على جانبي السوق وأصبحت تغطي ببضاعتها محال النحاسين اليتيمة، يبدو لي وكأن تلك المحال تريد أن تبتلع هذا السوق حاولت ان اسأل عن معنى لكل هذا لكني وجدت اراءً مبهمة، سألت عن أقدم شخصية في هذا السوق استطيع محاورتها وسؤالها الكل أشاروا إلى محل السيد مهدي، تقدمت باتجاه هذا المحل ووجدت شخصا آخر سألته عن سيد مهدي فأجابني بأنه مريض وانه ابنه، فطلبت منه الحديث عن مهنته وذكرياته، رفض الحديث وطلب مني عدم التصوير او كتابة أي كلام وحينما وافقت على طلبه وقلت له بأني ابحث عن معنى وتفسير لما يحصل اطمأن إلي واخذ يحدثني بكلام تفوح منه رائحة الأسى وعدم الاكتراث، حيث يقول"ما فائدة الحديث معك او غيرك ما الذي سيحدث كله كلام في كلام لا احد يستمع إلى معاناة أصحاب هذه المهنة لقد ركنا كأي قطعة أثرية، السوق لم يعد سوقا للصفافير لقد تم احتلاله بالقوة قوة المال من قبل أصحاب محال بيع الأقمشة.وعن مبررات احتلاله ولماذا لم يبحثوا في مكان آخر، يقول إن هذا السوق معروف وله مكانة مهمة بين أسواق بغداد إضافة الى انه يقع بالقرب من سوق البزازين، وهؤلاء دفعوا أموالا مغرية من اجل إخراج العديد من الصفارين من محالهم بقوة المال.وعن أسباب رغبة أصحاب المهن في بيع محالهم يوضح ابن سيد مهدي أنهم يستغلون الضعفاء والذين هم بحاجة إلى المال بسبب كبر سنهم، إضافة الى هذا إن مستوى البيع والصناعة في هذا السوق اخذ في النقصان يوماً بعد آخر بسبب ضعف الطلب على حاجيات النحاس وغياب السياح الأجانب بسبب الوضع الأمني، وبشأن عمله الحالي يبين بأنهم الآن متخصصون بصنع الدلال العربية ولدينا زبائن من كل الدول العربية ، مضيفا بأننا نصنع الدلال من النحاس الأحمر وفيه يكون طعم القهوة ألذ واطيب على خلاف البقية الذين يصنعونها بالنحاس الاصفر، ولهذا فإن الملك فهد حينما زار السوق اثناء مؤتمر القمة العربية فإنه اشترى دلال من هذا المكان كذلك هو الحال بالنسبة لأمراء الكويت وغيرها من الدول.شارع الرشيد وغياب الأمنعدد غير قليل من الصفارين في هذا السوق عزوا حالة الكساد والركود التي يعانيها السوق الى أسباب اخرى إضافة الى سبب اجتياح أصحاب محال الأقمشة لسوقهم .سيد سعد صاحب محل نحاسيات في هذا السوق منذ 40 عاما قال بان غلق شارع الرشيد امام مرور السيارات وجعله سوقا للباعة، ولكل من هب ودب سبب رئيسي لتوقف نشاط هذا السوق، وقال إن المتبضعين في السابق كانوا يركنون سياراتهم وبالاخص منهم السياح الاجانب بجانب السوق، ثم يقومون بشراء حاجياتهم بكل يسر، أما الآن فالأمر يختلف حيث ان اغلاق الشارع ساهم الى حد كبير بتوقف نشاط هذا السوق..ويتذكر سيد سعد اهم المحطات والذكريات في هذا السوق هو يوم زيارة رئيسة وزراء الهند انديرا غاندي للسوق وزيارة عدد من الملوك والرؤساء العرب والاجانب، فضلا عن الادباء الكبار وفي اول زيارة لادونيس للعراق عام 1969، حرص على زيارة السوق.حجي كاطع "ابو احمد" له رأي آخر حيث يقول : اعمل في هذا السوق منذ عام 1968 واستطيع ان اقول لك واجزم في ذلك بان السبب الرئي
سوق الصفافير.. :احتله البزازون فصمتت أصوات مطارق النحاس
نشر في: 9 يوليو, 2012: 07:08 م