سرمد الطائي لدينا 10 سقطات كبرى تورط فيها رئيس الحكومة بمفرده ولم يكن شركاؤه من الأحزاب الأخرى، شركاء له فيها. كل واحدة من هذه السقطات تكفي لسحب الثقة عنه. لم أكتب هذا الأسبوع عن أزمتنا السياسية، في محاولة للتماشي مع رغبة جمهور يقول ان لدينا أشياء كثيرة ينبغي أن نكتب عنها غير موضوع السيد المالكي وخصومه،
وهذه حقيقة فالأزمات تجعلنا ننسى كثيرا من الظواهر التي تستحق التعليق. كتبت خلال الأيام الماضية عن "ديك السيدة الكرخية" الذي قفز من بغداد إلى البصرة وفق أساطير العصر الوسيط. وعن بدوي يعتقد أن أمريكا قامت باحتلال الصين عام 1999. وعن جنود غضبوا لاني لم أكن أعرف رقم زقاقنا، وعامل هاتف يريدني أن أدفع فاتورة هاتف غير موجود. وعن ننماخ "الالهة الأم" لدى السومريين الذين اعتقدوا أنها تركتهم وخذلتهم وعادت إلى منزلها في السماء، في لحظات الانحطاط الحضاري. وقبل ان تحتجب الجريدة على خلفية الإجراءات الأمنية، أريد أن أسجل ملاحظتين على ما وصلت إليه أزمة استجواب المالكي.فليس صحيحا أن الأحزاب المشاركة في السلطة تتقاسم مسؤولية مشتركة مع المالكي عن كل الأخطاء. السقطات الكبرى كانت من اختصاصه هو، وحاولوا أن تتذكروا معي: المس باستقلالية القضاء، والقفز على مبدأ الفصل بين السلطات، وحرمان البرلمان من دوره التشريعي عبر استصدار قرارات المحكمة الاتحادية. المس باستقلالية الهيئات الحساسة مثل النزاهة ومفوضية الانتخابات والبنك المركزي. انفاق 50 مليار دولار بدون قانون. ضرب المتظاهرين وملف السجون. إنفاق 25 مليار دولار على الكهرباء دون إضافة ساعة تجهيز واحدة. الإصرار على بقاء مجلس الوزراء بلا نظام داخلي ينظم طريقة صنع القرار. إنفاق 14 مليار دولار سنويا على العساكر والتفرد بإدارة هذه المؤسسة مع الفشل في تأهيل أجهزة المعلومات والمخابرات التي يبلغ عددها نحو 10 أجهزة كلها مرتبطة بمكتبه...الخ.هذه نماذج على اكبر السقطات في دولتنا، والمسؤول المباشر عنها حصرا هو السيد نوري المالكي.المالكي يقول اليوم: اذا قرر الغرماء استجوابي فإن لدي فضائح ضدهم وسأقوم باستجوابهم ايضا. لكن هذا أمر حسن، وليته يتحقق. وشخصيا لا اعتقد ان التيار الصدري او التحالف الكردستاني او العراقية سيرفضون تغيير وزرائهم اذا ثبت انهم غير نزيهين او تنقصهم الكفاءة. وقد تغير رجالهم مرات عدة. لكن المشكلة اليوم هي في فريق رئيس الحكومة، فالذي يحصل ان الكتل الاخرى لا تمانع من استبدال ممثليها في السلطة، بينما تمانع كتلة دولة القانون من استبدال رجلها وترفض تغيير زعيمها رغم انه بقي في السلطة 7 اعوام وفشل في اقناع الاطراف النيابية الكبرى بالبقاء داعمة له.خصوم المالكي تفوقوا عليه بجملة قضايا، منها انهم يشعرون بأهمية حماية مبدأ التعددية السياسية، وهذا هو المدخل المشروع للديمقراطية الكاملة. وذلك رغم ان بعضهم ليس ديمقراطيا كفاية او انه لم يكن معروفا بإيمانه بالصيغة الحديثة لادارة الدولة. لكن هذا البعض ادرك ان بقاء العراق موحدا وادارة الخلاف بشكل معقول، يتطلب حماية التعدد السياسي، لكي تعيش الطوائف والاعراق مع بعضها دونما استبداد من احد. انهم بذلك اكثر حداثة منه.وهم ايضا اكثر نضجا منه. فقد تفوقوا على المالكي بخطاب اكثر كياسة. لم يقولوا انهم سيحركون العساكر او سيقومون باعتقال احد، ولم يهددوا بانتزاع السلطة. لقد طلبوا جمع تواقيع لسحب الثقة عنه بعد مكوثه 7 اعوام في منصبه. اما هو فاستشاط غضبا وراح يطلق التهديدات في كل اتجاه. وقبل غضبه هذا كان يطارد نائب رئيس الجمهورية بشكل هستيري، ويوجه اللكمات لصالح المطلك ويعتقل فرج الحيدري ويأمر بقطع البنزين عن كردستان، ويلوح بمحاسبة محافظ البنك المركزي على ذنب لم يرتكبه، ويحرك قوات قرب بيت الصدر في النجف، محاولا جعلنا ننسى ان اهل الفاو يشربون الماء المالح وان أزقة بغداد مليئة بالاوساخ، وأن العراق انفق 500 مليار دولار تحت ولاية المالكي دون ان يحدث تغيير في البؤس.المطلوب اليوم ان يهدأ رئيس الحكومة، وان يقبل بأن العراق محكوم بالتعددية التي يحميها الجميع ويضمنها المجتمع الدولي. وأن يدرك ان خروجه من السلطة لن يكون نهاية المطاف، لان الانفتاح السياسي الذي يكرهه، سبيل لعودته الى السلطة في اي لحظة. وأن يتوقف عن الحديث عن مؤامرة او تصوير العراق بلدا هشا يمكن ان يتناثر بين المجرات لو غادر هو مكتبه في المنطقة الخضراء. ليهدأ هو وليبدأ الاستجواب وسحب الثقة في البرلمان.
عالم آخر :ليبدأ سحب الثقة
نشر في: 9 يوليو, 2012: 07:19 م