TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > كواليس :المسرح والحياة

كواليس :المسرح والحياة

نشر في: 9 يوليو, 2012: 07:57 م

 سامي عبد الحميد لو تكن مضامين المسرحيات في العهود القديمة قريبة من واقع الحياة بل عاشت في خيالات كتابها ومتلقيها ثم أخذت بالتدريم مع تقدم الزمن تقترب من الواقع حتى التصقت به في أواسط القرن التاسع عشر عند ظهور الاتجاه الواقعي بتأثيرات الثورة الصناعية واختراع الآلة التجارية والتحرر من الحياة الريفية إلى الحياة الحضرية في المدينة وعندما أخذت الطبقة العاملة تتجمع في أماكن سكنية قريبة من معامل الإنتاج الواسع وبعدما تعقدت الحياة وتركبت العلاقات بين البشر وبين العمال وأصحاب العمل وأصبحت المسرحيات تعكس واقع الحياة ومشاكلها وصارت مرآة للمجتمع الذي تعيش فيه بشخوصه وأحداثه وعلاقات أبنائه وهمومهم وتطلعاتهم نحو حياة أفضل.
اليوم تستطيع أن تعرف طبيعة أي مجتمع وسلوك أبنائه وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال المسرحيات التي يكتبها كتاب ذلك المجتمع وأحيانا يتجاوز أولئك الكتاب إلى الكشف عن واقع مجتمعات أخرى سمعوا أو قرأوا عنها، ولكن في الغالب يهتم كتاب الدراما الواقعيون والرمزيون والتعبيريون وغيرهم بواقع المجتمعات التي يعيشون فيها ، فالروسي (جيكوف) عكس في مسرحياته حياة الطبقة البرجوازية وتطلعاتها، وكتب الألماني (هوبتمان) مسرحية تعكس الصراع بين العمال وصاحب المصنع وذلك في مسرحيته الطبيعية المشهورة ( النساجون ) وراح الكاتب الايطالي (بيرانديلو) يكشف الوجه والقناع لكل شخصية يتناولها في مسرحياته. وكشف الأميركي (يوجين أونيل) بصدق الفوارق الطبقية والتمييز في المجتمع الأميركي في زمن مضى. وفي الزمن الحاضر كتبت الأميركية (ميغان تيري) مسرحيتها (فيت روك) تنتقد فيها استمرار الحرب في فيتنام وما تجره من ويلات على المجتمع الأميركي. وفي العراق كتب (فلاح شاكر) عددا من المسرحيات يدين فيها الحرب ويكشف عن آثارها السلبية على ابناء الشعب. وهكذا لا يكتفي المسرح بعرض الواقع الحياتي بل يتجاوز ذلك الى نقد ذلك الواقع والتلميح بالبدائل. وكان الألماني (برتولد بريخت) من ابرز الناقدين للأوضاع الاجتماعية والسياسية الاقتصادية ، وخصوصا في المجتمع الرأسمالي وتحيلك معظم مسرحياته الى البدائل الافضل في الحياة . والمسرح الذي يخلو من نقد ما هو سلبي في الحكم او في اية ظاهرة سياسية او اجتماعية او اقتصادية ، يخرج عن أصالته وشعبيته ورسالته ويتحول الى مجرد تسلية عابرة. نعم المسرح مرآة المجتمع، والمجتمع يريد الحياة، يريد تجديدها، والمسرح هو الحياة ولكن بصور مختصرة محددة في مكان محدد وزمان محدد، ولكن المسرح هذا قد يوحي بالشمولية وبالعمومية، فعندما يتناول مشكلة تخص مجتمع الكاتب الدرامي قد تجد لتلك المشكلة مثيلات في مجتمعات أخرى ، طالما أن الإنسان وهو الكائن الحي وهو مكان الدراما، قد يتعرض إلى مشكلات مشابهة أو متقاربة، وهكذا نجد مثل تلك الشمولية في مسرح شكسبير، وهذا هو السر في أن المسرحيين في كل مكان وزمان يرجعون إلى مسرحياته ويقدمونها على خشبات مسارحهم وربما برؤاهم الخاصة ، حيث أن تلك المسرحيات تعكس حياة الإنسان في كل زمان ومكان. ويكوّن العاملون في الحقل المسرحي مجتمعا تعاونيا مصغرا يمر أفراده بحياة قد تختلف بدرجة أو بأخرى عن حياتهم الخاصة وربما تقترب كثيراً منها. وهكذا كانت الحياة وما زالت المصدر الأساسي الذي يرجع إليه كتّاب الدراما في جميع أنحاء العلم وكانت الحياة هي الأخرى مصدراً لأشكال المسرحيات وتنوعها، فشكل المسرحية الواقعية يعتمد على معطيات الواقع وصورته. وشكل المسرحيات التعبيرية مأخوذ من شكل الصورة الحلمية التي تكشف عن مخزونات اللاشعور. وشكل المسرح الملحمي اعتمد أساسا على شكل الشعر الملحمي الذي هو نتاج واقع معين . وشكل مسرح اللامعقول ليس إلا صورة مصغرة للامعقولية الحياة في الكثير من الحالات والأحيان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram