د فاضل سوداني الممثلون العراقيون في طبيعتهم يعملون دائماً لبناء الشخصية الشعبية العراقية في عموم عروضهم في المسرح العراقي. وقد تميزت تلك الشخصيات الشعبية التي لا يمكن لمن شاهدها أن ينساها كما هو الحال في شخصيات النخلة والجيران للروائي غائب طعمه فرمان وإخراج قاسم محمد، والشخصيات العديدة التي خلقها ممثلون آخرون، مثل خليل الرفاعي
والفنانة زينب وناهدة الرماح أو زكية خليفة وآزودوهي صموئيل وفاضل خليل وغيرهم من الشخصيات الذين كانت عراقيتهم النقية هي التي خلقت أصالتها. ولا يمكن للممثل عموما أن يكون فنانا شعبيا ما لم يمتلك ذلك الغنى الروحي والفكري حتى تمتلئ ذاكرته بتلك الصور والأحداث الشعبية المتميزة التي يستطيع استحضارها وقتما يشاء عن طريق ذاكرة المشاعر والأحاسيس التي اكتشفها المعلم والمربي الكبير ستانسلافسكي لمساعدة الممثل في خلق الشخصية التي يبدعها على المسرح. كل هذا كان حاضراً في ذاكرة الفنان القدير قاسم محمد، لهذا فإنه ركز جهوده منذ بداياته التأليفية والإخراجية الأولى في خلق مسرح شعبي تراثي، مسرح يعالج مشكلات الوجود التحتي للناس وطبقاتهم المسحوقة وكانت رائعته الأولى هي مسرحية النخلة والجيران. وبعدها توجه للاغتراف من التراث والملاحم والأساطير العربية القديمة وحكايات ألف ليلة وليلة، وربطها بمفهوم برشت الملحمي وكذلك المسرح المفتوح، وعلى هذا الأساس فانه كتب واخرج الكثير من المسرحيات أهمها: بغداد الأزل، شخوص وأحداث من مجالس التراث، كان ياما كان، رسالة الطير، مقامات الحريري، الممسوسون، سوق الحكايات،الحلاج وغيرها، ومن خلال هاجس إبداعي ومسؤولية ثقافية واجتماعية استطاع الفنان قاسم محمد أن يخلق مسرحه التراثي المتميز من خلال وعي خاص يكمن في أهمية الانتقاء من التراث ودمجه بالوعي المعاصر، وهذه الانتقائية هي التي تخلق التواصل مع تراث الآخر أي تراث ومكتشفات المسرح العالمي المعاصر وهذا يحقق مبدأ الهجنه التي تحتم استخدام ذلك التراث المتنور الذي من خلاله يكون من السهل التواصل مع التراث العالمي .ففي مسرحية "كان ياما كان" حاول استغلال التراث من اجل أن ينعكس على الحياة المعاصرة. وقد استخدم المؤلف "جو" المقهى البغدادي القديم كشكل للعرض. ويلعب الحكواتي دوراً أساسياً في مسرحيات قاسم محمد ، ولهذا فان الممثل لديه حكواتي أو قصخون يسرد ويتدخل ويعلق على الأحداث.استخدم قاسم محمد فضاء السوق العربي القديم على الخشبة كوسيلة جديدة لإغناء المسرح المعاصر، فالسوق بفضائه الديناميكي الغريب وصخبه الشرقي المتميز يغني العرض المسرحي.وقد حقق فكرته هذه من خلال كتابته لمسرحية "بغداد الازل بين الجد والهزل" التي استخدم فيها حكايات ونوادر وقصائد من التراث وأشخاصها تتصارع في السوق البغدادي الشرقي المثير، وقد خلق المخرج من كل هذا شكلا مسرحيا دراميا مشوقا يخدم العرض المسرحي الشعبي. ودائما هنالك لتأثير المخرج الروسي فاختانجوف وخاصة في المزج بين الواقع الافتراضي والفانتازيا مما يخلق حيوية للعرض المسرحي.ويتعامل قاسم محمد مع الجمهور كمشاركين وليس مشاهدين في اللعبة المسرحية التي يمكن أن يساهموا في مناقشتها والتفكير بها أثناء لحظة العرض، وقد عمد قاسم محمد في السنوات الأخيرة على تكثيف الحركة والتخلص من الفائض واعتماد جسد الممثل وقدراته التعبيرية كلغة للتعبير.
قاسم محمد وديناميكية التاريخ والتراث
نشر في: 9 يوليو, 2012: 07:59 م