عامر القيسيأعد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي تقريراً عن العراق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في العام الماضي.وقسّم المركز تقريره عدة أقسام تناولت الوضع العراقي الراهن، السياسي والاجتماعي والاقتصادي وكذلك التحديات التي يواجهها في ظل التحولات التي طرأت على المنطقة. وقد خصّص المركز في تقريره مساحة لتناول الدور الإيراني وكذلك الأميركي في الداخل العراقي.
وبدأ المركز تقريره بالإشارة إلى أن "العراق اليوم يعيش في كفاح مستمر لخلق هوية وطنية جديدة، يمكن أن تساعده في سد الانقسامات الطائفية العميقة بين الشيعة والسنة وكذلك الانقسامات العرقية بين العرب والكرد والأقليات الأخرى".نقول بالرغم من كل الجهود التي تبذلها مراكز الدراسات العالمية المهتمة بالشأن العراقي، وتؤكد اعتمادها على الأرقام والاستطلاعات، إلا أنها تبقى قاصرة عن فهم التشكيل الحقيقي للمجتمع العراقي وطبيعة العلاقات التي تحكم حركته الاجتماعية ومسيرتها عبره، ليس فقط منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ولكن عبر تأريخ طويل تحت السيطرة العثمانية امتدت لأربعة قرون تقريبا.فالحديث يجري دائما عن انقسامات طائفية وعرقية مبنية استنتاجاتها على نتاج السلوك الحكومي وأهداف القوى السياسية، وهي استنتاجات تقوم على القراءة الفوقانية للتشكل الاجتماعي العراقي وحركته المتداخلة. لقد كان الصراع المقروء من هذه المراكز،وهو صراع بين السلطات والمكونات الاجتماعية عامة، التي تفهمه هذه المراكز على انه صراع بين المكونات الاجتماعية، رغم انه في بعض مظاهره يغري للوصول إلى استنتاجات من طراز "الانقسامات الطائفية العميقة بين الشيعة والسنة وكذلك الانقسامات العرقية بين العرب والكرد والأقليات الأخرى".لكن الحقيقة هي أن العراق لم يشهد انقساما طائفيا ولا عرقيا بالطريقة التي تطرحها مراكز البحوث الأجنبية بل حتى العربية منها، وللأسف تبنت مثل هذه الطروحات مجموعة كبيرة من المفكرين العرب وغير العرب،ولكي لا نذهب بعيدا في الذاكرة التأريخية،سيكون أمامنا مشهد (2005-2007) أنموذجا لنوع تلك الانقسامات التي روج لها في الإعلام بما في ذلك المحلي على أنها حرب طائفية بامتياز، فيما الحقيقة الأكيدة أن الممانعات الشعبية العراقية هي التي منعت اندلاع حرب أهلية برسم أجندات بعض القوى الدينية التي انخرطت فيها بعض القوى التي تدعي ابتعادها عن تلك الأهداف!ليس التفاصيل اليومية لتلك الأعوام كانت شاهدا على بؤس استنتاجات تلك المراكز ولكن طبيعة حركة الهجرة الاجتماعية شكّلت أنموذجا للملاذات الآمنة المتبادلة بين مكونات المجتمع العراقي طائفيا وعرقيا، فإقليم كردستان على سبيل المثال كان نموذجا لملاذات آمنة للشيعة والسنة والعرب والمسيحيين وبقية المكونات دون أن تكون هناك "انقسامات حادة " بتعبير المركز الأميركي، فيما شهدت مناطق بغداد المختلفة الألوان حمايات شعبية متبادلة بصورة جماعية وبمبادرات فردية، وقد تصدى أهالي الأنبار لتنظيم القاعدة في محاولته تهجير العشائر الشيعية، فيما تكفلت مناطق شيعية في بغداد والمحافظات الجنوبية بخلق مناخات تساعد على إيقاف الهجرة السنية القائمة على أساس التهديدات التي كانت تمارسها قوى لحساب أهداف خارجية مدفوعة الثمن، والأمر ذاته ينطبق على المسيحيين الذين هاجروا بسبب تهديد عصابات القاعدة وتجار العقارات. وما أن هدأت لعلعة الرصاص حتى بدأ المهجرون بالعودة إلى مناطق سكناهم دون الحاجة إلى ملاذات آمنة وعادت معظم المحافظات العراقية إلى طبيعة تشكيلتها الديموغرافية قبل اندلاع الصراعات السياسية عامي 2005-2007 التي ارتدت العباءة الطائفية لتشكيل زخم شعبي لتنفيذ أهدافها الشريرة.الممانعة الشعبية لم تكن تعبيرا من الهواء أو أنها قادمة من كوكب آخر، إنها نتاج وقائع يومية ما زالت مستمرة في تصاعدها ضد أي محاولات لإبراز أي شكل من أشكال الانقسامات الطائفية والعرقية.هذه الممانعة نفسها جعلت كل السياسيين العراقيين يتحرجون وهم " يحللون " الوقائع من ذكر اسم أي مكون خشية أن تتهم طروحاتهم بالطائفية التي حاصرتها تلك الممانعات الشعبية.لكننا ينبغي أن نعترف بأن تلك الأحداث قد خلقت لنا مشاكل من هذا النوع لكنها لم تشكل خرقا حادا وواسعا لطبيعة النسيج الاجتماعي العراقي وأن تكن قد تركت فيه بعض الكدمات!!
كتابة على الحيطان: لا انقسامات سنيّة شيعيّة ولا عربيّة كرديّة
نشر في: 9 يوليو, 2012: 08:47 م