عواد ناصر ينظر الشاعر المغترب إلى المكان، وطبعاً ثقافة المكان، بطريقة مختلفة، وكثيرون هم الشعراء الذين عاشوا في نصوصهم مزدوجي الهوية، وثمة ما يخرج لسانه، هنا وهناك، في القصائد مهما حاول الشاعر الترفع عن المكان، سواء مكانه الأصلي – مسقط الرأس، أو مكانه الجديد حيث يقيم خارج ذلك المكان، إذ كثيراً ما تتداخل التجارب الشخصية المتعددة، بتعدد الأمكنة والإقامات، وتكون اللغة الشعرية أبرز تمظهرات هذا التعدد.
وبما أن عالمنا المعاصر يشهد أكثر حالات الاغتراب المكاني - واللغوي بالضرورة – نظراً لأسباب عديدة لا يمكن حصرها ومنها الحروب والعنف السياسي والمنافي والهجرات والانتقال - من وإلى – بدوافع وضغوط ورغبات شتى، لذلك كله ثمة ظاهرة عالمية، اليوم، تعبر عن نفسها بوضوح كبير وهي ظاهرة المثقف/ الشاعر المغترب أو المنفي أو المهاجر.الثيمة الأساسية في شعر سوجاتا بهات هي الحب والعنف والعنصرية، وهي ثيمة تكاد تلقي بثقلها على أغلب تجارب المثقفين الأجانب في الولايات المتحدة والغرب الأوروبي.شخصياً، تستهويني مثل هذه التجارب لما أجده فيها من تقاطعات نفسية وفنية ولغوية مع تجارب الكثير من المثقفين/ الشعراء العراقيين والعرب في الخارج، وأنا واحد منهم، كما أنها تكشف عدم مبررات ومسوغات "العقدة" التي تحكم وجهات نظر بعض المثقفين المقيمين في بلدانهم، ولم يبرحوها، لهذا السبب أو ذاك، إلى حد أن بعضهم ينظر إلى تجربة "ثقافة الخارج" بريبة واحتراس – إن لم أقل بكراهية وعصبوية وطنية – فآثرت أن أنقل بعض هذه التجارب المفيدة نقدياً، خصوصاً في عالم الشعر والشعراء الذي هو عالم مفتوح ومن دون ضفاف، والقصيدة، في خاتمة المطاف هي ابنة العالم تهتز عاطفياً باهتزازه وتستجيب لأحلامه في الجمال والنزوع البشري نحو السلام الداخلي.اللغة مرادف لسانيالشاعرة الهندية سوجاتا بهات (مواليد 1956) في مدينة بيون (إحدى أكبر المدن الهندية بعد مومباي)، هاجرت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة في عام 1968. درست هناك (جامعة ولاية ايوا،) وأصبحت كاتباً مقيماً في جامعة فيكتوريا، كندا. تعيش حاليا مع زوجها وابنتها في بريمن، ألمانيا. فازت بعض أعمالها الشعرية بجوائز عدة.اللغة هي مرادف لساني، بالنسبة لها، وهي الفعل المادي للتحدث. تصف (الغوجاراتية – لغتها الأم) والطفولة الهندية بأنهما "ما يربطها بزمنها الراهن وهما "بمثابة البنية التحتية لهويتي". ومع ذلك، فقد أصبحت اللغة الإنجليزية لغة الحديث والاكتشاف اليومي المستمر وهي، إلى حد كبير، اختارت أن تكتب فيها مع تداعيات التراث المنقسم في عملها، وما زالت تردد أنني ما زلت "البحث عن لساني" عند التناوب بين لغتين. أي في حالة معقدة من التعبير في اللغة الإنجليزية، إذ يجد التعبير الجغرافي انعكاسه في القصائد التي استكشاف الأفكار من المنزل (عندما يمضي المرء بعيداً) والسؤال الذي يرسم الخرائط العقلية لدينا في العالم (كيف أن الشرق الأقصى لم يزل الشرق) كل هذا يجد صداه أيضا في صوتها الشعري، مع المزج الموسيقي بين الإلتواءات الهندية والأميركية. ربما هذا نوع من التوق الى الوحدة مما يجعل قصائدها مشبعة برائحة الثوم وريش الببغاوات النابض بالحياة.أهمية الشعرتجيب على سؤال عن أهمية الشعر بقولها: أعتقد أن الشعر مهم لأنه يثري كياننا الداخلي. وبالنسبة لي شخصيا لا أستطيع أن أتخيل العيش من دون قراءة الشعر، أو من دون كتابة الشعر، وهكذا بالنسبة لي الشعر لا يقل أهمية عن الأوكسجين والماء. لا أستطيع أن أجد أي قيمة ملموسة النفعية للشعر، لا أستطيع - ولا أحد يستطيع أن يقول - إنه علاج للسرطان أو يساعد على دفع الفواتير، ولكنه يوفر شيئا لا يمكن قياسه. وتقول عن التخطيط لقصيدة جديدة: ليس ثمة طريقة محددة للتخطيط. أحيانا يمكن أن تكون صورة، شيئاً أحلم به، أو شيئاً شهدته. ويمكن أن تبدأ أيضا مع خط، ولا أعرف من أين جاء وإلى أين سيؤدي، والقصيدة قد تنبثق من سماعي لقطعة من الموسيقى أو تجربة شخصية - كالسفر على سبيل المثال - وقد أدى في بعض الأحيان إلى قصائد غير متوقعة. لذلك ليس هناك منبع واحد لتدفق القصيدة.. أي شيء، تقريباً، يمكن أن يكون مصدر إلهام لقصيدة حتى قراءة الصحف.وعن العلاقة بين صوتها الشخصي وصوتها في الكتابة تقول: أعتقد أن هناك مستوى من الحوار الذي لا يمكن للمرء أن يحققه في الحديث لكنه يتمكن منه في الكتابة. والشعر بالطبع هو المقصود هنا، وأنا لست على بينة من أين تأتي الكلمات والصور، لذلك لا أفكر بشكل واع حول هذا الموضوع. وأعتقد أن الشعر هو دخول في عالم خاص جدا حيث يمكن ان تحدث الأشياء الأكثر حميمية في القصيدة، والتي يمكن التلميح إليها في قصيدة، واعتقد ان المرء لا يملك الهدوء أو التركيز الكافيين في المحادثة، كما هما في الشعر.وتقول عما إذا كانت تقرأ قصائدها بصوت عال أثناء الكتابة: أنا لا أقرأ قصائدي بصوت عال عندما أعمل عليها، في واقع الأمر يجب أن أفعل ذلك من أجل معرفة الكيفية التي تكون فيها القصيدة في حال النمو، أي متى ما أنجز المسودة الأولى، وللاستماع الى نفسي شعرياً لأرى كيف أبدو أو لمعرفة ما إذا كان ثمة تعثّر، وبعد ذلك أود أيضا أن يقرأ قصيدتي أ
طفولتي ولغتي الأولى هما البنية التحتية لهويتي وما زلت أبحث عن لساني
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:10 م