د. فاضل سوداني كانت علاقة العرض المسرحي منذ البدايات الأولى وما زالت وطيدة بالسميولوجيا ـ علم الدلالة والرموز والإشارات ـ ولكن الأمر أصبح أكثر وضوحا منذ بداية القرن العشرين وخاصة في أعمال جوردن كريج، مايرهولد، راينهاردت، فاختانجوف، تايروف وآبيا، وغيرهم، حيث كان جوهر لغة عروضهم المسرحية يعتمد الرمز والإشارة والصورة. أما في الوقت الحاضر فإن الكثير من المخرجين يعمل على تحقيق الجانب الرؤيوي كلغة جديدة
في الإخراج المسرحي، كتجارب بيتر بروك ويوزيف شاينا وروبرت ولسن وليباج وكانتور وبينا باوش وباربا وكل ما يرتبط بتجارب مسرح الصورة الأوربي ومسرح الحداثة وما بعد الحداثة.في المسرح وبالذات في الطقس المسرحي بالرغم من إن كل شيء في فضاء الإبداع يكون مخططا له بدقة ووعي متناهيين إلا انه يخضع لارتجالات اللاوعي التي تخلق إمكانية تعبير جديدة للصورة ودفق رموزها ودلالتها الفنية والفلسفية ، فتصبح الصورة في الطقس ـ سواء كان في بذرته في النص أو تكامله في العرض ـ مطلقة في تعبيرها وديناميكيتها.فيتحول الطقس المسرحي إلى ما يشبه الإرتعاشة الأخيرة التي تحاصر روح المتفرج وعقله، التي تشبه لحظة مواجهة الإنسان لمصيره التراجيدي، فتغلق منافذ الثرثرة الواقعية المهيمنة على بصيرة الجمهور، لينكشف أمامه طريق واحد هو هاجس الأحلام والرؤى واللامرئي. فيختلط كل شيء بإبداع وهرمونيا متناهية ليتشكل طقسا احتفاليا يقترب من الشعائر والرؤى المسرحية وليس الواقعية .ففي العرض المسرحي كطقس رؤيوي يتحول الزمن الواقعي إلى زمن فني ـ إبداعي يشكل بعدا ميتافيزيقيا ، أي هو زمن الرؤيا والحلم والواقع اللامرئي في حركته الديناميكية . وهذا يعني أنه الطاقة السرية الإبداعية للفكر والخيال واللاوعي لتحقيق مفهوم الطقس الإبداعي المسرحي حتى وان كان يعالج مشكلة معاصرة. فإذا كان الزمن الواقعي يتشكل من الماضي والحاضر والمستقبل فان الزمن الرابع هو الزمن الإبداعي. فالماضي في الطقس المسرحي هو ماضي الأحداث والشخصيات المنجزة من قبل المؤلف، يعرضها الممثل والمخرج لمناقشة مأزقها ومتابعة مصائرها وقدرها أمام المتفاعل (الجمهور) من اجل إغناء روحه وكشف تلك الحقائق اللامرئية في الحياة والوجود وتاريخ البشر. والحاضر هو آنية وجود الممثل ( الإنسان ) مضافا إليه وجود الشخصية التي يمثلها (الممثل ـ كفنان ) فيلتحم بها وهي في ماضيها وتاريخها وحاضرها وقبل أن توجد في لحظة الخلق على المسرح باعتباره فن اللحظة. ويؤثر كل هذا في إعادة خلق الحدث والشخصية من جديد وبالتالي خلق لحظة الإبداع على خشبة المسرح. أما المستقبل فهو ذلك السؤال الذي يطرحه الفنان والعرض المسرحي (الطقس) على المتفاعل (الجمهور)، وهو سؤال مرتبط بالحياة والواقع ، ويعني ذلك السؤال المصيري الوجودي الذي يقلق الفنان والمتفاعل (الجمهور) أيضا.غير أن لحظة تقريب وتلاحم هذه الأزمنة الثلاث تشكل تلامسها، وهذا يعني تشكيل الرؤيا الإبداعية وتداعيات الفكر الإخراجي، أي أن عمل المخرج الإبداعي يتجسد في تقريب هذه الأزمنة الثلاث في ما بينها من أجل خلق زمن جديد هو الزمن الإبداعي الذي يكوّن رؤيا الفنان البصرية.
الرؤيا البصرية ومعمارية الإخراج المسرحي
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:54 م