TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:همان ورؤيتان

أحاديث شفوية:همان ورؤيتان

نشر في: 13 يوليو, 2012: 06:20 م

 احمد المهنا لا شيء يعبر عن الانفصال بين هموم الطبقة السياسية وبين هموم الأغلبية من الشعب في العراق اكثر من الصراع الجاري اليوم بين الكتل السياسية. فموضوع هذا الصراع هو "السلطة". وأما موضوع الشعب، المفترض، فهو الحياة. الشعب من المفترض ان يكون همه هو تحقيق حياة طبيعية. والساسة المتنازعون يبحثون عن صيغة من صيغ تقاسم السلطة.
والحد الأدنى من الحياة الطبيعية يتمثل باستعادة الإستقرار وجريان دورة الاقتصاد. ولكن هذا الحد الأدنى من الحياة الطبيعية،هل يمثل فعلا الشاغل الأول في الوعي الشعبي السائد؟ واذا كان كذلك فلماذا لم يتمكن الى اليوم من التعبير عن نفسه سياسيا؟ لماذا لا يوجد حزب أو تنظيم سياسي يعبر عن هذا الهم وعنده قاعدة شعبية عريضة او نحيفة؟ ان هذا الهم من طبيعة وطنية أو انسانية عابرة للطوائف والإثنيات. فالكهرباء ليست سنية ولا المياه الصالحة للشرب شيعية كما أن الاستقرار ليس كرديا. فلماذا لا يستطيع هذا الهم تحريك الجماهير؟ الأسباب كثيرة. لعل أهمها تأثير الايديولوجيات السائدة في المجتمع. فهي تعمم على الشعب وعيا مفصولا عن الواقع، عن الهموم الفعلية، عن التطلع الى حياة طبيعية. ما هي هذه الآيديولوجيات التي "تعمي" الناس عن رؤية ما يعتبر "حياة طبيعية" وعن تركيز النضال من أجل مثل هذه الحياة الطبيعية؟ عندما انهار نظام صدام خلف فراغا مدويا في السياسة. كان البلد قد تراجع الى ما وراء نقطة انطلاقه الى العصر الحديث. وبما انه لم يكن هناك فكر سياسي حي قادر على ملء الفراغ فقد   تحرك الماضي المتجمد للقيام بالمهمة. ولم يقصر الماضي فملأ الفراغ بالطائفية والأصولية والعشائرية والشعورالعربي العام والقومية. وهذه هي الأفكار، أو الآيديولوجيات، الشغالة في السياسة العراقية بعد 2003. وهي "عصبيات اجتماعية" بقدر ما هي أفكار سياسية. وهي مازالت فعالة أو مؤثرة في الناس الى درجة تمنع عنهم رؤية الهوة السحيقة بين هموم الطبقة السياسية وبين المصالح الفعلية للبلد، بين صراعات السلطة، وبين أعمال اعادة بناء الحياة الطبيعية.ان "الفصل" أو "الانفصال" موجود وجودا كاملا في الواقع. ولكنه غير موجود وجودا كاملا على مستوى الوعي العام للجمهور. بؤس الكهرباء، وهي عصب الحياة الحديثة، لا يحرك احتجاجات كبيرة لدى الجمهور. ولكن "احتكاكا" ما على صعيد المشاعر والأهواء الطائفية أو القومية قادر على تعبئة الجمهور للقيام بمظاهرات أو أعمال ولاء أو عداء. وفقا لهذا النوع من الوعي او التفكير تعد العقائد أقوى من الوقائع. هذا هو ما يسمى بنمط التفكير الايديولوجي. انه يحفل بالأفكار أكثر من الوقائع. ويهتم بالعقائد أكثر مما يهتم بالناس.وعلى العكس منه فان التفكير العقلاني يحفل بالوقائع أكثر من العقائد. بالمنظور العقلاني ترى الهوة سحيقة بين الساسة والناس في العراق. فلا أحد من هؤلاء الساسة مألوم ببؤس الكهرباء أو مفجوع بمأساة الأمن. ولكن بالمنظور الآيديولوجي لا توجد مثل هذه الهوة بين الساسة والناس، رغم وفرة الويلات وندرة الخدمات، وانما هناك صلات نسب ومصاهرة حسب الطائفة او العقيدة او العشيرة. هنا وصل وهناك فصل بين الساسة وبين الناس.ان ترتيب الأولويات يختلف بين وعي ايديولوجي وآخر عقلاني. فالعقيدة هي مركز اهتمام الأول، والإنسان هو محور الثاني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram