TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة:عندما يتحوّل السعودي إلى عراقي على يد المحرر "الثقافي"

منطقة محررة:عندما يتحوّل السعودي إلى عراقي على يد المحرر "الثقافي"

نشر في: 13 يوليو, 2012: 06:22 م

  نجم والي لنتخيل الجملة الآتية: "كلنا نعرف بأن روايات ألمانية كانت قد حظيت بانتشار شعبي، ربما أبرز هذه الروايات هي "كل شيء هادئ في الميدان الغربي" لأريش ريمارك، و"آل بودينبروكس" لتوماس مان، و"الأب غوريو" لبلزاك، ولنتخيل أن الجملة تلك قد كتبها محرر ثقافي يعمل في صحيفة ألمانية أو فرنسية أو بريطانية، تُرى ماذا سيحدث له؟ ومن غير المستبعد أبداً أن المحرر "الجاهل"
 هذا سيفقد وظيفته، خاصة إذا لم يقدم في اليوم الثاني أو بعد أيام عذراً أو توضيحاً للخطأ "السهو" الذي وقع فيه، رغم شكي بأن أحداً سيسامحه على هفوته الكبيرة تلك بتصنيفه للفرنسي بلزاك  بكونه روائياً ألمانياً يصنف ما فعله فيها بالسهو. كلا. جريدة تحترم نفسها لن تسامح محررها هذا، ليس لأن من مبادئ العمل الثقافي أن يميّز المشرفون عليه على الأقل بين هويات الأدباء والفنانين الذين يكتبون عنهم كما ولا بدّ أن يعرفوا عناوين أعمالهم المتميزة، ليس لأن الصحيفة تخاف على سمعتها، تخاف أن تتحول ومعها محررها إلى أضحوكة في اليوم الثاني يتندر عليها محررو الصحف المنافسة لها، بل لمعرفتها أن خسارة سمعتها سيقود إلى خسارة في السوق، خاصة إذا كرر المحرر العامل فيها خطأه مرات ومرات (هذا يصح على محررين الأقسام الأخرى أيضاً!). لذلك ليس من غير المألوف عليه في الصحافة الغربية،  أن الصحف تختار محرريها بعناية، خاصة أولئك الذين يتسلمون إدارة الأقسام، أغلبهم حملة شهادات جامعية عليا في الدراسات الأدبية، فضلاً عن الخبرة التي يتمتعون بها، يجيدون التحدث والقراءة بلغة أجنبية واحدة على الأقل. وعندنا؟ أقصد في البلدان الناطقة بالعربية وفي العراق على وجه التحديد؟ الثقافة والخبرة والشهادة الدراسية ليست هي المعيار في اختيار المحرر هذا أو ذاك. من يقرأ الصفحات الثقافية في الصحافة العربية وحتى تلك التي حملت صفة الدولية سيجد الكثير ما يؤيد هذا الكلام. "كما في روايتها حبل الأرجوحة (كذا!)"، كتب اللبناني محرر الصفحة الثقافية في أكبر الصحف العربية الدولية وهو يقصد رواية "أرجوحة التنفس" التي فازت عنها في حينه للتو الكاتبة الألمانية الرومانية  الأصل هيرتا مولر. ليس من الغريب أن الصفحات الثقافية تلك تحتفي بالضغينة أكثر من احتفائها بالإبداع الجديد. محرروها جهلة لا يتابعون ما يُنشر من جديد. وضع كارثي حقيقة، وأكثره كارثية في العراق، وكأن الجهلة يتبادلون جهلهم حتى في نقاشاتهم أو في ردهم على بعضهم، أنا شخصياً (وباستثناء صفحتين رزينتين أو ثلاث) بطلت قراءة الصفحات الثقافية العراقية خاصة صفحات الجرائد الحكومية، كما فعلت قبلها مع صحافة الخليج، لكن صديقاً لي يصر بالبحث على كل ما يجعلني أتسلى وأضحك بصوت عال، أدمن على إرسال الإيميلات تلك التي اشتهر العراقيون بها في السنوات الأخيرة، بكل ما تحويه من سخرية وفكاهة سوداء، بعضها جعلني  بالفعل أقهقه عالياً وبعضها الآخر أصابني  بالإعياء، أحد تلك الإيميلات التي جعلت الضحكة تتيبس على فمي هو إيميله الأخير الذي نسخه لي عن عمود لمحرر صفحة ثقافية لصحيفة حكومية صادرة في بغداد يوم 7 حزيران الماضي يشكو فيه محررنا البطل من عدم وجود رواية عراقية تشفي غليله أو (ربما تلغي جهله).  سأكتفي بما ورد في مفتتح المقال: "كلنا نعرف بأن روايات عراقية قليلة كانت قد حظيت بانتشار شعبي ربما أبرز هذه الروايات هي "النخلة والجيران" 1966- لغائب طعمة فرمان و"الرجع البعيد" – 1980 لفؤاد التكرلي، ورواية "شرق المتوسط" عام 1975  لعبد الرحمن منيف. سبب اختياري لهذه الروايات الثلاثة كونها جاءت بتماس حي مع واقع اجتماعي وسياسي معين وحملت هموما أقرب الى الواقعية الشعبية لدى فرمان والواقعية الاجتماعية والنفسية لدى فؤاد التكرلي والواقعية السياسية المرة لدى عبد الرحمن منيف".عادة يذيل صديقي إيميله – النكتة الذي يرسله لي بتعليق. هذه المرة اكتفى فقط بكتابة عنوان للإيميل على شريط الإرسال فوق. صديقي كتب "مع تحيات الروائي العراقي عبد الرحمن منيف إلى زميله الروائي السعودي نجم والي". ولماذا لا؟ لماذا لا يذهب في نكتته إلى مداها وهو يرى تحول السعودي منيف على يد المحرر "الثقافي" الجاهل إلى روائي من العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram