اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أنور عبد الملك.. رحيل صامت في زمن صاخب

أنور عبد الملك.. رحيل صامت في زمن صاخب

نشر في: 13 يوليو, 2012: 06:24 م

علي حسين "عشت حياة بلا حدود" هكذا أراد أن يلخص لنا المفكر المصري  أنور عبد الملك حياته التي أسدل ستارها يوم الجمعة الماضي بعد جهاد فكري في سبيل بناء دولة مدنية، متخذاً من المنهج التنويري  طريقاًَ في الدفاع عن الحرية والديمقراطية والتغيير الاجتماعي مما صاغ انجازه الفكري بالتنوع بين الفلسفة والأدب والترجمة والتراث،
 وقد خاض في جميع الميادين حركته الكبيرة المتواصلة المخلصة في صف التقدم والعدل والحرية، مقاوماً الظلم والتخلف والاستبداد ،وفي السجال الواقعي المستعر بين قوى التخلف والرجعية وقوى التقدم في عالمنا العربي، مجسداً نموذجاً ناصعاً للمثقف العضوي الذي لا يكتفي بإبداعه الفكري بل ينغمس كذلك في مجريات المواجهة على الأرض كي تختص الثقافة بالناس ويتحصن الناس بالثقافة.ولعل من المفارقات الكبيرة أن يغيب الرجل الذي حارب طويلا  مشروع الإسلام السياسي في وقت صعدت قوى هذا التيار لتتسلم السلطة في العديد من البلدان العربية كان أخرها مصر . منذ صدور كتابه الأول "مدخل إلى الفلسفة" عام 1957 أثار عبد الملك اهتمام المثقفين المصريين والعرب بموقفه الراسخ من القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تواجه المواطن البسيط ..وظهر ذلك واضحا في كتابه الثاني.     نهضة مصر وهو رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السوربون .. إلا أن الكتاب الذي لفت الأنظار إليه كان دراسة عن علاقة الجيش بالمجتمع والذي صدر بالفرنسية عام 1965 بعنوان المجتمع المصري والجيش وصدرت ترجمته العربية بعنوان مجتمع يبنيه العسكريون وقد اثار الكتاب الكثير من التساؤلات حول الدور الذي لعبه العسكر في  المجتمع المصري بعد ثورة  تموز 1925 ويقال أن هذا الكتاب أثار إعجاب عبد الناصر شخصيا لكنه لم ينس للمؤلف انه كتب ذات يوم : "إن عبد الناصر بطل عظيم لكنّه دمّر الطبقة السياسية في مصر".  ثم توالت مؤلفات أنور عبد الملك والتي كانت في مجملها أشبه بمعارك  فكرية، الهدف منها ترسيخ منهج معرفي  قائم على الاهتمام بقضايا الإنسان، مؤمناً بان الثقافة لا يمكن لها إلا أن تكون جزءاً من النسيج الاجتماعي للمجتمع العربي، والتي كان أبرزها "الفكر العربي في معركة النهضة" و"نهضة مصر" و"ريح الشرق" و"تغيير العالم" و"الصين في عيون المصريين" و"المواطنة هي الحل"، و"في أصول المسألة الحضارية" و"من أجل إستراتيجية حضارية"، إضافة الى مقاله الأسبوعي في صحيفة الاهرام والذي ظل طوال أربعين عاما يحرص على نشره، وفيه كان يقدم مناقشات وتساؤلات عن ابرز القضايا التي تهم الإنسان العربي المعاصر.. وفي مجمل هذه الكتابات كان المفكر الراحل  يقدم للقارئ سيرة ذاتية لنضال رجل آمن بفكرة الإنسان..ومن هنا نجد صعوبة فصل مجمل ما تركه عبد الملك عن حياته.. إنها أكثر من تعبير شامل عن أفكاره ومفاهيمه.. إنها يومياته وتفاصيل هذه اليوميات.. وبقدر ما يلتصق العالم بالحياة وتجاربها بقدر ما يبتعد عن الوقوع في فخ الفلسفة الجامدة والثابتة، فالفلسفة لا يمكن لها أن تعاش كفكرة مجردة أو شكل من أشكال المفاهيم والقوانين المتعالية على الناس.. إنها جزء من حياة عامة وبهذا تكشف أعمال أنور عبد الملك  عن انفراده في قراءة المشروع الثقافي العربي وحيوية قلّ نظيرها عند المفكرين العرب المعاصرين وتدل ايضاً على طبيعة تفكير هذا المفكر الذي لم يتخل عن ثوابته في أحلك الظروف وايضاً عن خطاب فكري حيوي يفتح باب التساؤل أمام العقل كي يدفع القارئ إلى متابعة كل جديد والتعرف على ابرز مدارس الفكر العالمي وإقامة علاقة متصلة، بمجمل المجالات المعرفية، كما أن هذه الكتابات تدل في الدرجة الأولى على انفتاح هذا المفكر على كل ما هو جديد وقد ساهمت هذه الحيوية في ابتعاد عبد الملك عن الجمود الفكري الذي اتصفت به كتابات الماركسيين الذين انتمى عبد الملك لهم في بداية الخمسينيات عن طريق معلمه الأول شهدي عطية الشافعي، أحد أبرز المفكرين الماركسيين المصريين والذي اغتيل في سجون عبد الناصر في الستينيات حيث التحق من خلاله بأحد التنظيمات الشيوعية، لكن ألقي القبض عليه لمدة عام قبل أن يهرب ويختبئ في منزل الفنانة الشهيرة تحية كاريوكا، ثم يخرج إلى فرنسا ليواصل دراسته في الفلسفة وعلم الاجتماع في عاصمة الأنوار في الخمسينيات لينطلق إلى آفاق أرحب مستمداً من أفكار رواد النهضة الحديثة في أوربا منهجاً فتح به باب الجدل والنقاش في مفهوم الدولة المدنية التي يتم من خلالها بناء مجتمع عادل منتج صاحب إبداع وعلاقتها بالمدارس الفكرية المعاصرة.. ولم يكتف العالم بذلك بل ذهب ابعد من ذلك إذ حاول أن يقدم تعريفاً لليبرالية والاتجاهات الفكرية المعارضة لها فكان كتابه "مفاتيح إستراتيجية جديدة للتنمية، وتغيير العالم" أول كتاب عربي يناقش بموضوعية فكرية  كيف أن النهضة والتنمية تتحققان بالتمسك بالشخصية القومية والاجتماعية والثقافية، وانتهاج السبل التي تنسجم مع هذه الشخصية، مثل نماذج فيتنام والصين والبرازيل، التي حققت النهضة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram