عباس الغالبي كنا قد نوهنا في مقالات سابقة وفي اكثر من مناسبة من عمر الولايتين الاولى والثانية لحكومة المالكي الى قضية الرؤية الاستراتيجية للاقتصاد الوطني المدعومة بخطط تفصيلية يمكن ان يتلمسها الجميع خلال سقف زمني محدد ، واستعرضنا تباعاً القطاعات الاقتصادية والخدمية والاعمارية كافة على طريقة عرض المشكلات واقتراح الحلول ، وامكانية معالجة الظواهر الاخرى الملازمة للمشهد الاقتصادي في العراق .
وكنا قد نبهنا أيضاً الى الاولويات التي يفترض ان تتعامل معها السلطتان التنفيذية والتشريعية كلاً بحسب اختصاصه ، وأشرنا كذلك الى الازمات التي تلامس الحياة اليومية ولاسيما تلك المتعلقة بالجانب الخدمي ، ولم نكن نحن الوحيدين في هذا الاتجاه ، بل كان معنا يعمل بذات الاتجاه وعين الرؤى ونفس المقترحات لفيف من الاكاديميين والخبراء والمتخصصين ، ولكن كانت السلطة التنفيذية كمصدر قرار رئيسي كانت مشغولة ومنهمكة الى حد العظم بالمناكفات السياسية ، وتجعل من المشهد الاقتصادي مكبلاً ومتوقفاً ومرهوناً بالصفاء السياسي غير الموجود بالمرة ، وكانت كثير من الوزارات الخدمية تجتهد وتتطلع وتبادر ، إلا انها كانت عادة تصطدم بسقف التخصيصات المالية تارة ، وبالبيئة القانونية تارة اخرى .وهكذا وعلى حين غرة انتبهت الجهات التنفيذية فجأة الى جملة من الخدمات ذات الصلة المباشرة بحياة المواطنين واصدرت جملة من القرارات والاجراءات بعد ان انتقلت اجتماعاتها من صومعة المنطقة الخضراء الى فضاءات الوطن الرحبة في عدد من المحافظات ، وكأنها صحوة وصفها كثير من المحللين الاجانب والمحليين على حد سواء بانها مقصودة لاغراض سياسية بحتة ، ويمكن لنا ان نصفها بالصحوة المتأخرة المضطرة للتعامل مع هكذا ملفات بمثل هذه الحماسة ، وهي في طبيعة الحال وحقيقة الامر تعد من صلب واجباتها التنفيذية التي تحدد ملامحها وسماتها وتؤشر اداءها .وكنا قد دعونا سابقاً لضرورة ان تضطلع الجهة التنفيذية بواجباتها على أقل تقدير في تفكيك طلاسم ازمات تفاقمت بمرور الزمن ، يعاني منها الجمهور بشكل اكبر من الاخريات كأزمة السكن والبطالة والخدمات البلدية والكهرباء ، ولكن المعطيات تتحدث عن موازنات انفجارية غير مسبوقة في ظل اجراءات وعلاجات ترقيعية لا تلامس المشكلة وتلم اطرافها ، وسط استشراء حالات الفساد المالي والاداري المهولة والادارة الضعيفة غير القادرة على ادارة الملفات والازمات الاقتصادية والخدمية بشكل مؤسساتي وادارة رشيدة مقتدرة .ومن هنا ، نرى ان القرارات الاخيرة الصادرة عن الحكومة والمتعلقة بالجوانب الخدمية ذات المساس المباشر بحياة الجمهور صحوة متأخرة مضطرة ، لكننا نتطلع في الوقت عينه الى ترجمة هذه القرارات الى واقع عملي ملموس على مستوى الممارسات اليومية والابتعاد عن استثمار الخلافات السياسية التي يعج بها المشهد العراقي الحالي الى عملية تسويق للجهات الحاكمة ، وعدم تكرار ما حدث في الشعارات الانتخابية والذي انتهى وتلاشى بعيد هذه الانتخابات .
اقتصاديات:صحوة متأخرة مضطرة !
نشر في: 13 يوليو, 2012: 06:29 م