عدنان حسينهذه حكاية ما كنت سأستعيدها في ذهني لو لم أقف في يومين متتاليين على تصريحات ومواقف للمتحدث باسم الحكومة علي الدباغ الذي هو عضو في الحكومة لأن منصبه في مرتبة وزير. ولا بد قبل كل شيء التذكير بأن القاعدة الذهبية تقضي بأن المثل يُضرب ولا يُقاس عليه، وقد حفل القرآن مثلاً بأمثلة وحكايات ضُربت للاعتبار بها وليس للقياس عليها.
ومما يروى من حكايات بغداد في زمنها الجميل أن أحد قوادي منطقة العاصمة كان يركب سيارة أجرة نفرات (سيرفيس) في شارع الرشيد متوجها إلى قاعدة عمله في ساحة الميدان، وكاد سائق السيارة أن يتوقف عند سيدتين أشارتا له بذلك إلا أن القواد طلب إلى السائق عدم التوقف مؤكداً انه سيدفع له عوضاً كاملاً.لم يتوقف السائق لكنه لم يصبر على تصرف الرجل الذي كان يجلس إلى جواره ولا يعرف من يكون. سأل السائق بعد أن اجتاز المكان الذي توقفت فيه السيدتان: لماذا لم تدعني أتوقف؟ ولماذا تحملت الأجرة عنهما؟ ردّ الرجل (القواد) في الحال: شوف هذولة من أشراف بغداد وأنا قواد وإذا رآهما أحد ممن يعرفونني معي في السيارة فقد تذهب به الظنون مذهباً يسيء إلى سمعة السيدتين بسببي.منذ يومين قرأت تصريحا للسيد الدباغ يتبرأ فيه ويبرئ رئيس الوزراء نوري المالكي مما أثار الكثير من اللغط في الوسط الإعلامي وخارجه بشأن الاحتفالات الباذخة غير المبررة بمناسبة يوم الصحافة العراقية.الوسط الإعلامي الذي يعرف بالتفاصيل المملة العلاقة الوثيقة بين السيد الدباغ ورؤسائه مع المسؤولين عن نقابة الصحفيين، ضحك علنا وليس في سره من تصريحات السيد الدباغ التبرؤية، فالجميع يعرف أن الاحتفالات التي أثارت الحفائظ تمت بمعرفة ودراية وتشجيع ودعم وتعضيد وتأييد وإعجاب من السيد الدباغ ورؤسائه، والجميع يعرف أن زواج مصلحة ومنفعة من الطراز الأول قائم بين رئاسة الحكومة والمسؤولين عن نقابة الصحفيين.أمس قرأت أن السيد الدباغ رعى رسمياً المؤتمر التأسيسي لمنظمة ((صحفيات بلا حدود)) التي شكلتها مجموعة من الزميلات أظن انه كان من الأفضل لمشروعهن أن ينأى بنفسه عن الحكومة ومسؤوليها، من اجل سمعة المنظمة.الناشطات اللائي بادرن تأسيس المنظمة أعلنّ أنهن يريدنها أن تكون معنية بحقوق الصحافيات العراقيات و((نبض الشعب وعين الحقيقة بلا قيود)) وفي سبيل ((تعزيز حرية الصحافة وحرية التعبير وبتقديم الدعم القانوني والمساعدة للصحفيات والكاتبات والشاعرات والإعلاميات والمثقفات والناشطات والسعي نحو حق الوصول للمعلومة دون قيد وتعزيز مكانة المرأة الصحفية في العراق، والعمل على تقديم كافة التسهيلات للصحفيات، وتأمين بيئة آمنة للصحفيات)). هذه أهداف نبيلة، لكن تحقيقها لن يكون في ظل وتحت رعاية حكومة شغلها الشاغل تقييد حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم، بدلالة قانون حقوق الصحفيين الصادر في العام الماضي وقانون جرائم المعلوماتية وقانون حرية التعبير والتنظيم المقدمين من الحكومة إلى البرلمان هذه الأيام، وهما من أسوأ ما يمكن أن يتصوره المرء في مجال حرية الرأي والتعبير.ما يتعين أن يعرفه السيد الدباغ أن أفضل شيء تقدمه الحكومة لنا هو أن تنأى بنفسها عن ميدان شغلنا نحن الصحفيين والإعلاميين، فهو ميدان لا بد أن يظل مستقلا تماماً.
شناشيل: الحكومة والصحافة
نشر في: 13 يوليو, 2012: 07:57 م