احمد المهنافي 2006 أظهرت دراسة أن ربع الأميركيين ليس عندهم "أصدقاء مقربون". و"الصديق المقرب" تعبير شائع في الغرب عن علاقة نادرة هي "الصداقة" في أعمق معانيها. وبعد عام من تلك الدراسة ظهر فيلم (قائمة الدلو) بطولة جاك نيكلسون ومورغان فريمان. وهو في الظاهر تمجيد للصداقة ولكنه في دلالته الأبعد ربما يكون اعلانا عن وفاة الصداقة الحقة في المجتمع المعاصر.
بطلا الفيلم أدوارد وكارتر (نيكلسون وفريمان) عصاميان نجح أولهما في تكوين امبراطورية مالية، والثاني، وهو عامل ميكانيكي، في تكوين اسرة طيبة. ولم يسمح الكفاح في العمل لأي منهما باكتساب صديق. ويلتقي الاثنان في آخر العمر وهما تحت العلاج من السرطان في المستشفى.والمستشفى ملك أدوارد الغني. وقد أنشأها على قاعدة عمل:" هذا مستشفى وليس منتجعا صحيا، بكل غرفة سريران ولا استثناءات". ولم يستطع ادوارد التملص من هذه القاعدة التي وضعها بنفسه، فاضطر لمشاركة مريض في غرفة العلاج. وتنشأ بينهما صداقة حقيقية، تؤدي الى اصلاح ما فسد في عالم كل منهما. فما أحيته الصداقة من حب يعيد اليهما ما فقداه في طريق الكفاح، وهو الصلة المقطوعة بين البلونير العابث وابنته، وحميمية العلاقة الزوجية المدفونة تحت الركام في منزل الميكانيكي.الصداقة، وفق "قائمة الدلو"، سعادة للشخص واصلاح للمجتمع. ولكن كيف تكون ممكنة؟ الفيلم يجيب من خلال اختراع قاعدة:" مستشفى لا منتجع، سريران في كل غرفة ولا استثناءات". وهذه وسيلة مصطنعة، لا حقيقة لها ولا أصل في واقع الحياة، حيث لا ينفرد البليونير المريض بغرفة للعلاج وحسب، وانما قد ينقل المستشفى ذاته الى منزله.فهل المشكلة في خيال هوليود الذي عجز عن اكتشاف طرق حقيقية للصداقة أم هي مشكلة العصر الذي دفن دروب الصداقة؟قبل التلفزيون، والفضائيات، ثم الانترنيت ومشتقاته، كانت امكانية "الصديق المقرب"هي القاعدة. كان ذلك في العالم الحقيقي. عندما كان الوقت موجودا، والمقهى بيتا، والبلدة أو الحي أهلا، وعندما كان الخوف من الأمس واليوم والغد ضامرا. في ذلك العالم كان الأخ أخا بحكم العادة، وكان الصديق أخا فوق العادة. الأول لا تشعر معه بشيء، مثلما لا تثير فيك اعضاء بدنك شيئا، ولكن مع الثاني يزداد العالم كثافة، وتغمره الأحاسيس، وتحيطه الثقة.وكانت المقهى أحد دروب الصداقة الحقة. أي العلاقة المنتخبة بين صديقين مقربين، حيث لا سر، لا مصلحة، لا حاجة، لا افتعال، وانما محبة خالصة، وحرية صافية. ولعل هذه الحرية هي جوهر الصداقة. ولكن ارسطو رآى أن الصداقة هي جوهرة العدالة. فقد قال أن خير المشرعين هم الذين اهتموا للصداقة اكثر مما اهتموا للعدالة، "لأن قصوى غاية العدالة هي البلوغ الى الصداقة". أي أن يكون القانون، وهو القوة الشرعية والإكراه المسلح، صديقا للانسان.وبما أنه ليس هناك ظلم ولا استعباد بين صديقين مقربين، فمن المعقول اعتبار الصداقة غاية العدالة والحرية معا. وكان ارسطو يفرق بين الصداقة العادية وبين الصداقة الحقة. وقد قال في الأولى: "يا أصدقائي، انني لا صديق لي!". أليست هذه هي حال الصداقة اليوم مع "العالم الافتراضي"؟ فما هو هذا الصديق الذي لا تحس بيده؟ وماذا سيكون مضمون الحرية والعدالة اذا انقرضت الصداقة؟
أحاديث شفوية: ســؤال عـن الصــداقـة
نشر في: 13 يوليو, 2012: 09:03 م