TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: محنة بناء الشرعية

أحاديث شفوية: محنة بناء الشرعية

نشر في: 14 يوليو, 2012: 05:49 م

 احمد المهنابناء سلطة شرعية واحد من أصعب أعمال الشعوب. وهو يحتاج الى وقت أطول مما يتطلبه أي عمل انساني آخر. وكل الأمم او الدول حديثة النشأة في التاريخ عرفت ذلك. وسعيدة هي تلك الدول التي عرفت ذلك قبل فوات الأوان. وتعيسة تلك الدول التي جاءت معرفتها بذلك بعد فوات الأوان.
المغرب احدى الدول السعيدة من هذه الناحية. اذ تتمتع الملكية في المغرب بشرعية تتفق عليها كافة القوى الوطنية. هذا عمل استثنائي حققه شعب المغرب. وأرجو أن تنجح في تحقيقه كل الشعوب العربية المحكومة بملوك أو أمراء. نعم ان بعضها او ربما كلها تعتبر ملكيات مطلقة. وهذا لا ينسجم تمام الانسجام مع تطور تاريخ العالم. فالملكيات في العالم المتقدم اصبحت دستورية.لا بأس. فليكن أفق الملكيات المطلقة دستوريا. ليكن هذا هو العمل التاريخي طويل النفس لشعوب الملكيات المطلقة. والعافية درجات كما يقال. ولكن ما أن يجن البشر، ويصعد مطلب العافية الى اقصى درجاته، وصولا الى الكمال، حتى تأتي النتائج وخيمة. ويبدو ان نوبة من هذا الجنون اصابتنا يوما، فأسقطت ملوكنا، وخربت بذلك بيوتنا وبلداننا.هذا ما حدث في مصر يوما، وتتابع الجنون في العراق وليبيا. منذ فعلت هذه الدول ذلك وهي تعيش المحنة تلو الأخرى، دون أن تتوصل الى بناء شرعية في السياسة، ولا استقرار في الأحوال. اما بقية الدول العربية التي هي جمهورية من الأساس، فأنها كذلك لم تتوصل الى بناء شرعية. ولكن ربما ليس لدى الدول الجمهورية من الأساس ما تندم عليه مثلما هي حال الدول الملكية التي تحولت الى جمهورية. فالأولى بدأت مسيرة بناء الشرعية، وصعدت فيها ونزلت، ومازالت المسيرة متواصلة. انها لم تكن لديها فرصة وضيعتها، وانما هي كادحة مجدة وخاطئة مصيبة في طريق طويل للوصول الى فرصة الشرعية.والشرعية في الملكيات والجمهوريات بمنظور العصر تتمثل بالديمقراطية. ولكن الطريق الى الديمقراطية في الملكيات، مهما طال، أقل تكلفة وأخف عناء مما هو عليه في الجمهوريات. ففي الملكيات هناك "كبير" يمكنك الرجوع اليه، ومناشدته، والاحتكام اليه، وان لم يمكنك التفاهم معه، فقد تجد عنده التفهم. انه كبير، وهو بيت السلطة والثروة.أما المشكلة مع الجمهوريات فهي غياب الكبير: رئيس اليوم قتيل الغد، وحزب الجماهير اليوم ليس لديه من يهتف له غدا. الدنيا صاعدة نازلة بالجميع، لا ثبات على حال، ودوام الحال من المحال. في مصر "ذات نفسها"، وهي أقدم دولة وأمة في التاريخ، الذي يملك القوة، وهو الجيش، لا يملك الشرعية، والرئيس الذي يملك الشرعية يفتقد الى القوة. وكلاهما يفتقد الى مقبولية الشعب الراغب في أغلبيته بشرعية مدنية لا تتوفر في الجيش ولا في الرئيس المنتخب. وهذه 60 عاما مرت على جمهورية مصر والقنطرة الى الشرعية بعيدة..بعيدة.أما ليبيا والعراق فالله المعين منذ فقدتا الحذر وأضاعتا، شأن مصر، شرعيتيهما الملكيتين. ثم بدأتا بالتمرن على إعادة بناء الشرعية. وفي كل مرة تعيدان الكرة من نقطة الصفر. وكل بداية مهددة بأن تكون نهاية. وماركس على حق عندما قال "ان الأمة والمرأة لا تغتفر لهما تلك اللحظة التي تفقدان فيها الحذر ويتمكن أول مغامر يمر بهما من أن ينتهكهما".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram