علي حسينكنت أتصور أن الأمر لا يعدو أن يكون نكتة أو محاولة لكسر الملل والفراغ التي يعاني منها الثنائي صلاح عبد الرزاق وكامل الزيدي ، غير أنه بات من الواضح أن منطق الخرافة والجهل والجرأة على الإفتاء في كل شيء، واحتقار عقول الناس هي الخلطة التي تحكم تصرفات منظري مجلس محافظة بغداد الذين هبطوا علينا مثل الضباع الجائعة التي أكلت الأخضر واليابس .
فمنذ أن أصدر المفكران الزيدي وعبد الرزاق توجيهاتهما بالتحرك الفوري للقضاء على نادي اتحاد الأدباء واحتلال جمعية الآشوريين ، وطرد المسيحيين خارج حدود العاصمة لأنهم لم يدفعوا الجزية، والناس في كل بقاع الدنيا تعيش حالة من التفاعل والتماهي مع الدعوة التي انطلقت من منطقة الصالحية في بغداد، وسمع دويها في قارات الدنيا السبع وبصرف النظر عن أن هذه الأفكار الجهنمية من النوع المحمل برؤوس جرثومية تصيب متلقيها بنوبات لا تتوقف من الأسى والحزن إلا أنها تبقى أفكارا يمكن أن تغير مجرى التاريخ الإنساني .فالثنائي المفكر وبعد الاتكال على رصيدهم الجماهيري في قلوب الناس تفتق ذهنهما عن فكرة جهنمية تحقق السعادة والاستقرار لأهالي العاصمة فقررا أن يملآ ساحات العاصمة بلافتات عملاقة تطالب سكان بغداد بالكف عن شرب الخمور وارتياد النوادي وكأنهم يريدون أن يوهموا البسطاء من أن أهالي بغداد المحاصرين بغياب الأمن ونقص الخدمات والبطالة ومعارك السياسيين الهزلية لا همّ لهم سوى الجلوس على شواطئ دجلة والغناء بصوت عال"الليلة حلوة وجميلة"، وكأننا لم نبرح بعد قوانين الحملة الإيمانية .. وكأننا نقول للناس إن سرقة المال العام والانتهازية والتزوير وقتل الأبرياء كلها أمور يمكن تقبلها والتعايش معها ويمكن أيضا التغاضي عن مرتكبيها بل ومكافأتهم، أما أن تفكروا بالسهر أو أن تراودكم نفوسكم المريضة على ارتياد احد النوادي فهذا هو الخراب بعينه. للأسف لو كان أمر تطور الشعوب واستقرارها ورفاهيتها في تنفيذ تعليمات مجلس محافظة بغداد ، والخضوع لمنطق الحشمة بديلا عن التنمية ، ومحاصرة حرية الناس لتسيدت مدن مثل غزة وقندهار والخرطوم العالم منذ زمن بعيد ولأصبحت طوكيو ونيويورك وبرلين في قائمة المدن البائسة والأضعف نموا وتطورا. عندما يقفز مجلس محافظة بغداد فوق الأشياء ويتحفنا بلافتاته العجيبة يبدو الأمر كأن السادة مفكري المجلس يتحدثون عن شعب ودولة غير العراق، والشيء الذي يدعو للدهشة والتساؤل والاستغراب أن يعتقد البعض بصحة تحليلات الثنائي المفكر – الزيدي ورزاق - باعتبارهما من المبشرين بنظرية جديدة في التحليل والاستنتاج، ولأننا في زمن اللامعقول فإن كل شيء مباح ومستباح حين يخرج علينا البعض ليقول إن طريق الهداية مفتوح للجميع فقط لو آمنوا بنظرية الأخوين "حشمتي" وهي النظرية التي تدعوا إلى أن تكون بغداد مدينة مقفرة، مهملة، ومظلمة، وأن يؤمن الناس أن طفح المجاري وغياب الخدمات وسرقة المال العام والمحسوبية وتزوير الشهادات والرشوة التي ضربت أرقاما قياسية في دوائر المحافظة، إنما سببها ثلة مجرمة من الذين يصرون على ارتياد النوادي والحانات. إن العراقيين جميعا قد أصيبوا بعمى البصر والبصيرة فصاروا لا يشعرون بالنعم التي يرفلون فيها، ولا يستطيعون رؤية مؤشر النمو وهو يقفز برشاقة إلى الأعلى والأمام.لعل اغرب ما في تصريحات مجلس المحافظة هو القدرة على تحريف الحقائق والقفز عليها، بحيث تبدو الأشياء من منظور اعضاء المجلس نقية وبيضاء من غير سوء، وكل ما قيل عن الخراب الذي حل ببغداد وسوء الخدمات هو هلاوس وضلالات تستبد بالمارقين والحاقدين أمثالنا، حتى وإن تكدست مئات التقارير عن فساد الحكومة المحلية.أن القصة كلها مسكونة بالألغاز وعلامات الاستفهام وبواعث الاندهاش إذ لم يقل لنا أحد الإخوة المفكرين لماذا لم يعلق المجلس لافتات تفضح اللصوص والقتل وتعدد مضار سرقة أموال الشعب وتدعوا للتسامح والمحبة.غير ان حصر الجدل والخلاف في مسألة النوادي والخمور بالذات وفي النهاية لعبة يريد من خلالها مجلس المحافظة صرف الانتباه عن جوهر القضية. وهي اننا امام مجلس محافظة لا يعرف النوم طريقاً إلى عيون اعضاءه، ان لم يحصلوا على عقود مجزية او مقاولات في الباطن واراضي وامتيازات، يضاف اليها تشريعات تلتهم بعضاً من مساحات الحرية - المحدودة أصلاً - في حياة أهالي بغداد.
العمود الثامن: جمهورية " الأخوين حشمتي"
نشر في: 14 يوليو, 2012: 05:49 م