هاشم العقابيمن الطبيعي أن تجد السياسي يلف ويدور وقد يراوغ أحيانا كي لا يفصح عن رأيه بشكل واضح أو أن يحدد موقفه بشكل قاطع نحو القضايا المهمة خاصة في زمن الأزمات. لسان تفكيره يقول: علي أن أضع خط رجعة فلرب عدو لي اليوم سيكون حبيبا في الغد أو بالعكس.
وبسبب مناورات السياسيين هذه ظهرت الحاجة لما يسمى بالمحللين السياسيين. ويفترض في هؤلاء وجود متطلبات معينة للحصول على لقب "محلل". منها، أن لا ينتمي لجهة سياسية ولا يمثل جهة سلطوية أو رسمية وان يستعمل لغة سليمة وغير "باطنية" حتى لا يربك المشاهدين. وأقول، المشاهدين لأن عمل المحللين السياسيين، في هذه الأيام، صار تلفزيونيا في اغلب الأحوال أو كلها. وإن وجدت نفسي في لحظة لا أفهم فيها ما يريد السياسي قوله، فلا أستغرب أو أتألم. لكن أن أجد نفسي أمام محلل لا أفهم ما يقصد ويسمى محللا، فهذه حقا تجعلني( أنعل أبو الساعة السودة) التي تورطت بها لأضيع وقتي في متابعته. والمشكلة تصبح اكبر حين تجد هناك أكثر من محلل سياسي في برنامج واحد يرشقونك من كل صوب بمصطلحات وأحكام لا تفهمها وهم في ما بينهم يهزون رؤوسهم كإشارة إلى أنهم يفهمون بعضهم البعض.قبل ليلتين وعلى إحدى القنوات كان هناك محللان وسياسي في برنامج حواري. الحوار على قضية سحب الثقة وهذا أمر طبيعي لأنها أسخن حدث سياسي عراقي. انبرى أول محلل معترضا على كل الحلول إذ حسب رأيه لا حل إلا "الإجماع الوطني". لم يسأله مقدم البرنامج عما يقصد وكذلك لم يسأله السياسي ولا زميله المحلل الآخر. صرت من مكاني أصيح: شنو يعني إجماع وطني؟المشكلة التي يقع بها البعض انه حين يسمع بكلمة وطني من أي طرف يستحسن كل ما يلصق بعدها أو قبلها من كلمات. لا اعتراض عندي على كلمة وطني إذ رغم سعة معناها ككلمة لكنها مفهومة إلى حد ما. لكن مشكلتي كانت مع "الإجماع". أسمعتم بإجماع تام على انتخاب شخص ما، إن لم يكن ذلك الإجماع ملفقا أو مزورا؟ فهل، مثلا، هناك اختلاف بيننا على أهمية الانتخابات كممارسة ديمقراطية؟ لكن كم من الناس يذهب لينتخب؟ هذه انتخابات مصر التي تعد من أهم الانتخابات لا بمصر، وحسب، بل وبالمنطقة العربية كلها، ولم يشارك بها من المسجلين سوى ما نسبته 46 بالمئة فقط.لا بل خذوا دستورنا العراقي الذي صار الكل يلوذ به عندما يحتاج إليه، ويبرأ منه براءة الذئب من دم يوسف حين يجده يقف بوجه مطامعه ونزعاته العدوانية، هل حظي بإجماع وطني من كل العراقيين؟لقد ذكّرتني يا صاحبي بمهزلة الإجماع على انتخاب صدام مئة بالمئة وصورة عزة الدوري حين هنأ سيده بالفوز بالإجماع. أحقا نسيت أن الإجماع في معناه السياسي يعني الشمولية وانه والديمقراطية لا يلتقيان؟ زين هسه "شدعي اعليك ياللي احركت قلبي؟". مع هذا أتمنى أن لا يمر ببالك أني لا أحبك أو لا أحترمك، لا سمح الله.
سلاما ياعراق : عمّ يتحدّث المحلّلون؟
نشر في: 14 يوليو, 2012: 06:00 م