سرمد الطائياليوم الخميس او يوم السبت ستعقد اولى جلسات البرلمان. ويفترض ان النواب قد عادوا الى بغداد بعد عطلة طويلة امضوها في مدن او بلدان مختلفة. الصحيفة الرسمية تقول ان رئيس الوزراء "شمر عن ذراعيه" لاستقبال الفصل التشريعي الجديد.
فقد اعد 50 قانونا للتصويت دفعة واحدة، وهو يستعد لأخذ كبار الضباط الى البرلمان كي تجري المصادقة على تعيينهم في مناصبهم الحساسة لاول مرة منذ 9 اعوام. سنوات طويلة والبرلمان يطلب ان يقوم بالمصادقة على تعيين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، ورئيس الحكومة لا يوافق، لكنه اليوم (وبدون اي الحاح من البرلمان) يبادر مسرعا حسب الصحيفة الرسمية، للامتثال للدستور وطلب مصادقة السلطة التشريعية على حلفائه. وليس امامنا الا ان نقول: ما شاء الله.عاد النواب وسيعقدون جلستهم الاولى الخميس او السبت. وفي اي لحظة ننتظر ان يقوم مجلس النواب بأسمى مهامه وهي مساءلة رئيس الحكومة واستجوابه، سواء اريد خلعه او تثبيته. انها لفضيحة في بلد مثل العراق ان لا يكون هناك استجواب لأعلى مسؤول تنفيذي، رغم ركام الفشل المحيط بنا. ان استجواب هذا المسؤول هو اعادة الحياة الى السلطة الرقابية التي صمتت كثيرا لألف سبب.هيئة رئاسة البرلمان في وضع قوي كما يفترض. في الدورة السابقة كان الشيخ خالد العطية حليف الحكومة، يتحكم ببرنامج البرلمان وجدول اعماله، لكن الدورة الحالية تدار من قبل العراقية والتيار الصدري والكردستاني عبر اسامة النجيفي وقصي السهيل وعارف طيفور. وهذا يعني ان لا سلطة للحكومة على البرلمان، وفي وسع هيئة الرئاسة ان تعيد الاعتبار لدور مجلس النواب في لحظة ادرك الجميع ان الوقت قد حان لاستجواب رئيس الحكومة، وان الامور بدأت تخرج عن السيطرة ولا تتحمل اي مراوغات اخرى.مجلس النواب ليس ضعيفا هذه المرة. لقد مرت سنتان من عمره كان رئيس الحكومة خلالهما يتلاعب بالبرلمان ويوجه اليه الضربة تلو الضربة. منعه من التشريع عبر المحكمة الاتحادية، وجرده من الاشراف على الهيئات المستقلة عبر المحكمة الاتحادية، ويقال ايضا ان الحكومة التي تحصن نفسها بملايين كتل الكونكريت، قامت برفع كتل الحماية هذه عن المبنى الذي يشهد انعقاد جلسات البرلمان... وقد اعتبره البعض رفعا للغطاء الامني عن واحدة من السلطات الثلاث.. ويقال ان فريق الحكومة مستعد لتحشيد آلاف من انصاره لكي يطوقوا مبنى البرلمان لو اراد النواب سحب الثقة.. وفي وسع "الآلاف" هؤلاء وباعتبارهم "من جماعة الحكومة" ان يظلوا شهرا كاملا في اعتصام مستمر لتطويق مجلس النواب. لكن البرلمان هذه المرة ليس ضعيفا.البرلمان ليس ضعيفا لانه يستند لاول جماعة ضغط متكونة من كبار الزعماء، والذين قرروا اطلاق عملية مراجعة حاسمة لاداء الدولة، بعد ان تسارع قطار فريق الحكومة مستهدفا ابتلاع كل شيء والانفراد بكل شيء، واراد تمييع حتى سلطة البرلمان وسحقها على سكته.والبرلمان ليس ضعيفا لان رئيس الحكومة وفريقه "شافوا نجوم الظهر" وشعروا ان في وسع شركائهم اللجوء للطرق الدستورية في ابرز عملية "كبح جماح" يشهدها هذا العراق الجديد اثر هذا الحراك النيابي في ملف الاستجواب.والبرلمان ليس ضعيفا لان فريق الحكومة لم يعد في وسعه ان يسخر من دعوات التفاوض والمراجعة والمداولة. ولان فريق الحكومة لم يعد في وسعه ان يشيح بوجهه بعيدا عن باقي الشركاء، ويحاول ان يصور نفسه بأنه "مشغول بقضايا اهم".والبرلمان ليس ضعيفا لان الحراك الممتد من اربيل الى النجف وفي كل ملابساته، اثبت ان وصفة التعددية السياسية هي الضامن الكبير للانفتاح السياسي، وهي الضامن الحاسم لانخراطنا في العالم الحديث وهي العامل الذي يمكن ان يجنب البلاد شبح التفرد وحكم الحزب الواحد، والصوت الواحد.الفصل التشريعي مختلف بالتأكيد هذه المرة، ولديه من عوامل القوة ما يعبر حواجز الطائفة والعرق، وهيئته الرئاسية تديرها اطراف اربيل والنجف، وامامه فرصة ان يعيد تعريف دوره عبر صيغة قوية ومتماسكة، تضمن مستقبل الادارة والدولة. اي تراخ او تفريط بهذه الفرصة، سيكون تكريسا لفشل عمره 9 اعوام.الخميس او السبت، سيقول لنا البرلمان ما اذا كان قد ادرك عوامل قوته الجديدة، وما اذا كان عازما حقا على عدم تضييع الفرصة التاريخية للمراجعة والمحاسبة هذه المرة.
عالم آخر: البرلمان ليس ضعيفاً هذه المرة
نشر في: 14 يوليو, 2012: 06:23 م