TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: معالي الخبير "العاطفي"

العمود الثامن: معالي الخبير "العاطفي"

نشر في: 14 يوليو, 2012: 06:29 م

 علي حسينأحد الأوهام والخرافات التي "تعشش" في عقول الكثير منا، هي أننا شعوب أوتينا من الحكمة والمعرفة ما يجعلنا نقدم هذه الخبرات إلى شعوب العالم وخصوصا الأوربية والأمريكية التي تعيش في بحر من الجهل المعرفي ويلفها الظلام من كل جانب، حيث تعاني الجدب الروحي والضياع الاجتماعي، والبؤس العاطفي،
رغم أنها تعيش ضمن أنظمة وفرت لها عيشاً مادياً مكفولا، وقوانين تحمي أمنها وحرياتها المدنية ، وضمانا اجتماعيا وصحيا .. واحتراما لآدمية الإنسان، فتلك كماليات يمكن للمواطن أن يستغني عنها فقط لو آمن بأن الحياة الدنيا فانية ، وأنها دار للمسؤولين والسياسيين ينتفعون وينعمون بها، يسكنون القصور ويكنزون الذهب والفضة ويحصلون على جوازات سفر أجنبية، ولهم وحدهم رحلات الصيف والشتاء يقضونها في قارات الدنيا السبع.. أما أنت أيها المواطن العراقي المغلوب على أمرك فعليك أن تكتفي بإشباع جوعك الروحي وعطشك الوجداني، والذي سيملأ حياتك هدوءا وسكينة.. تغنيك عن الحصول على سكن لائق بالبشر، وتبعد عنك الحاجة إلى الكهرباء ، وتشبع جوع عائلتك  وتؤمن لها راحة البال بديلا عن حاجات الدنيا الزائفة والزائلة.. تلك هي النظرية التي خرج بها علينا نائب رئيس الجمهوري خضير الخزاعي الذي اكتشف أن الأزمة السياسية في العراق يمكن لها أن تنتهي بين ليلة وضحاها فقط لو آمن العراقيين بأن مشكلتهم ليست في بناء مؤسسات رصينة وإشاعة القانون وتشكيل حكومة كفاءات بديلة لحكومة المحاصصة الطائفية ولا في محاربة الفساد ونهب المال العام ، وإنما نقص في مادة "الدفء العاطفي" سيقول البعض إنني أتعمد الإساءة إلى بعض الرموز السياسية، وأحاول أن أحرف الحقائق، لكنني أحيل القراء إلى المقال الذي نشرة السيد نائب رئيس الجمهورية في صحيفة الصباح يوم الخميس الماضي بعنوان " مسؤوليتنا الأخلاقية.. حماية أنفسنا والآخر" والذي يثبت بالدليل القاطع أن السيد الخزاعي يتمتع بحس فكاهي لا بأس به، رغم أن الفكاهة في هذا الوقت بالذات يمكن أن تتحول إلى كارثة، لكنها في النهاية فاصل مضحك وسط الأيام السوداء التي نعيشها، فالسيد النائب يخبرنا بمقاله الأثير أنه "صحيح أن النظام الغربي وفر للمواطن عيشا ماديا مكفولا، وصحيح أن القوانين هيأت له أسباب حماية وأمن وحقوق مدنية، لكن حاجات الإنسان الضرورية ليست هذه وحدها. إنه بحاجة ماسة إلى ما يشبع جوعه الروحي ونهمه العاطفي وعطشه الوجداني، والى ما يملأ حياته حبا وسكنا وتواؤما مع الحياة والناس والمجتمع. أما ما يحصل عليه الإنسان الغربي فهو سد لحاجاته المادية حصرا، غذاء، دواء، وسكنا، وجنسا، ولكن ما وراء المادة صحراء مقفرة من الجدب الروحي والضياع الاجتماعي، البؤس العاطفي". طبعا لا أريد أن أقول أن الغرب لا يخلو من بعض البشاعات، لكن المؤكد أن احترام كثير من البلدان الأوروبية لحقوق المواطنة جعلت السيد خضير الخزاعي نفسه يلجأ إليها في وقت الضيق، ليحصل على حقوق لا يستطيع أن يحصل عليها أي مواطن عراقي في الوقت الحاضر، كما أن هذه الحضارة المنحلة هي التي  سمحت للكثير من المسلمين بالحصول على الجنسية  الغربية وأداء شعائرهم الدينية في المساجد والاحتفاظ بكثير من خصوصياتهم.  وهذه الحقوق والامتيازات هي التي تجعل السيد نائب رئيس الجمهورية متمسكا حتى هذه اللحظة بجواز سفره الكندي ، وأن الغرب الذي يعاني أفراده حالة الإحباط والضياع هو الذي مكن القوى السياسية الحالية من حكم البلاد.للأسف إننا نعيش حاليا كوميديا سياسية تقوم على محاولة اختراع نظرية جديدة نبدو فيها نحن المساكين في هيئة أبطال لإنقاذ العالم من الخطيئة والشرور، فالسيد الخزاعي يصر على أن "مسؤوليتنا الأخلاقية والشرعية تتطلب إنقاذ الغرب من مستنقع البؤس الحضاري الذي يغرقون في أوحاله، هذا كلام مضحك أقرب إلى الهلوسة السياسية، ذلك أنه في الوقت الذي يتحدث فيه السيد الخزاعي عن الدفء العاطفي والاستقرار النفسي، فإن هناك عوائل عراقية تعيش تحت خط الفقر في بلد ميزانيته تجاوزت المئة مليار دولار، ويعاني شبابه من البطالة ، وثرواته تنهب، وسياسيوه يتعاركون من أجل المنافع والمناصب، لكنها لغة الخرافات التي يريد البعض بها أن يستعبد الناس ويزيف إرادتهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram