علاء مشذوبأعتقد أن كيسنجر هو الذي قال أن السلطة مهيّجة للشهوة، لذلك عندما أعتلى أول رئيس للديمقراطية في العراق بعد السقوط تزوج من امرأة جديدة، وقد تكون السلطة مهيجة ليست للشهوة الجنسية حسب، وإنما للسيطرة على الآخرين أيضاً، رغم ادعاء كل رؤساء الأحزاب الوطنية وغير الوطنية بالديمقراطية.
فإننا وبمراجعة بسيطة لتاريخ الأحزاب التي أنشئت على أساس مناوءة صدام وحزبه وليس من أجل الوطن وشعبه، نجد أن في أغلبها قد أسس على أساس ديمقراطي وهذا يقر به الجميع، ولكن هل وضع في النظام الداخلي لتلك الأحزاب أن يبقى رئيسه مدى العمر، أم أن الرئيس المنتخب من حقه أن يكون رئيساً لدورتين ومن بعدها يتنحى جانباً، ليتسنى لآخر تسنم منصب رئيس الحزب.الحقيقة أن كل رؤساء أحزاب الداخل والخارج، تحولوا إلى ديكتاتوريين لكونهم قد عبروا دورتين في رئاسة أحزابهم، إذا ما عرفنا أن دورة الرئاسة لتلك الأحزاب ليست أربعاً ولا سبعاً بل هي عشر سنوات على سبيل الفرض، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن أغلبها قد تأسس قبل تسعينات القرن المنصرم، سنجد أن البعض الآخر من تلك الأحزاب قد تحول رؤساؤها إلى طغاة لأنهم ظلوا رؤساء لتلك الأحزاب لأكثر من خمسة وعشرين عاماً.فالديمقراطية أن يكون رئيس الحزب لدورة واحدة وربما رئيسا لدورتين فقط، وعندما يتعدى الدورتين إلى ثالثة يتحول إلى دكتاتور، وعندما يصل بحكمه حتى الدورة الرابعة بمعنى أنه قد عبر على رئاسته خمسة وعشرون عاماً تحول إلى طاغية. فهل يوجد رئيس ديمقراطي لأي من الأحزاب الديمقراطية التي تحكم العراق لم يتجاوز حكمه لحزبه حكم الطاغية.وبالمعنى الصريح وبعيداً عن التأويل، أن تلك الأحزاب في أغلبها ما هي إلا شركات مساهمة تكون حصة المؤسس أكثر من النصف ليكون له حق القيادة والرئاسة، وقد أتت أوكلها بعد التغيير أو السقوط، وما المناداة بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة إلا ضحك على ذقون المغفلين وأكيد أن الصحافيين ليس منهم، ولذلك راحوا يقتلون بهم بين الفينة والفينة.وحتى رؤساء الأحزاب الدينية، الذين يدّعي البعض من أنصارهم بأن زعيمهم هو زعيم روحي وليس سياسياً، وبالتالي فله الحق بأن يكون طاغية باسم الدين وليس باسم الحزب ما يبيح له التربع على عرش الرئاسة الدينية وليس السياسية مدى العمر، أقول له ولكنه يتدخل في أمور السياسة التي هي كل يوم بل كل ساعة في حال وخاصة بالعراق، وبالتالي فالتغير والتقلب ليس من صفات رجل الدين الذي ستنطبق عليه المقولة الخاصة بالسياسة هو اتّباع المصلحة وليس الدين وهذا يعيب عليه وعلى دينه الذي يتخذ منه مطيه في أن يكون ديكتاتوراً ومن ثم طاغية ليورث منصبه إلى أبنائه في ما بعد.من كل هذا الغيث، وقع العراق في فخ الساسة، ولست أعذر شعبه، الذي راح يبحث دائما عن كاريزما يختبئ وراءها دون الشعور بالمسؤولية، وعبثا راح البعض ينصح ويرشد ثم يستغيث ويصرخ ولكن دون جدوى، وخير مثال ما حصل في كربلاء عندما راح الوعي الجمعي يقف طوابير لينتخب رجل في أحد الأيام مسك مكنسة وكنس حضرة الإمام الحسين، وعندما أفرزت الانتخابات المحلية اكتساحه، أصبح نسيا منسيا ولم يقدم خدمة لا للإمام الحسين الذي كان يكنس في حضرته ولا المواطنين الذين انتخبوه، وفي المقابل، راحوا يندبون حظهم لاختيارهم الخاطئ، ولكنهم أضاعوا الجميع من وراء ذلك.وحتى على مستوى الانتخابات البرلمانية، كان الوعي الجمعي يعتمل داخل الفرد العراقي، عندما راحت الدعاية الباطنة والمتناثرة بين الجموع الخائفة على الطائفة والمذهب، تعمل عملهم وفي ذلك يصدق قول هتلر : إذا أردت السيطرة على الناس: أخبرهم أنهم معرضون للخطر، ثم حذرهم أن أمنهم تحت التهديد، ثم خوّن معارضيك وشكّك في ولائهم ووطنيتهم. وبذلك نحن نعود للمربع الأول الذي سنّه حزب البعث.والمواطن في اختياراته هو أيضا يتحول من ديمقراطي في كونه منح حق الاختيار، إلى دكتاتور لأنه لا يسمع صوتاً سوى نفسه، ومع الانتخابات المستمرة يتحول إلى طاغية فهو يتفاخر في اختياراته التي يعتقدها صائبة، ولكنه عندما يلتقي بشاكلته يندب حظه كفرعون عندما كان يخلو إلى نفسه يبكي نفسه أمام ربه، وعندما يجتمع إلى الناس يعلن أنه ربهم الأعلى، والحقيقة تلك قالها جون كينيدي :إن جهل ناخب واحد في نظام ديمقراطي يضرّ بأمن الوطن كله) فكيف بجهل الغالبية ؟!
الديمقراطي..الدكتاتور..الطاغية
نشر في: 14 يوليو, 2012: 06:32 م