علي عبيدالتخوّف من الآخر قد يحدث لأسباب مباشرة وواضحة، كأن يشكل مصدر أذى أو شر من أي نوع كان، ولكن ماذا نقول عندما تتردد وتبتعد عن مشاركة الآخر رأيه أو عمله أو خبراته، حتى قبل أن تتعرف عليه أو يتعرف عليك؟؟ أين يكمن السبب، ولماذا نلاحظ هذه الظاهرة موجودة بوضوح بين العراقيين في تعاملاتهم المختلفة مع بعضهم، إذ هناك في المجتمع العراقي عموما، ميل نحو الانغلاق على الذات، واللباث في حدودها، والبقاء في حالة عزل ذاتي متواصل يثير الاستغراب حقا، ثمة خوف غير مبرر من إشراك الآخر في قضية أو مشكلة ما، فكرية أو شخصية أو سواها، حتى يبدو الفرد العراقي، وكأنه عالم قائم بذاته، معزول عن الآخرين، لا يأخذ منهم ولا يتعاطى معهم.
فيما تسود حالة من التوجس والتردد وربما الخوف أيضا، من التقرّب إلى الآخر، لدى الجميع تقريبا، إلا ما ندر، وهناك سبب آخر للانطواء والابتعاد عن مشاركة الآخرين، يتمثل في المكابرة، والظهور بعدم الحاجة إلى الناس، في محاولة بائسة لتكريس الذات، وتفضيلها على غيرها من دون مبرر صحيح، هذا النوع من السلوك ينم عن شخصية مريضة، مرتبكة، تكابر في شأن لا يستدعي المكابرة قط، بل يتطلب الامتثال إلى الحس الفطري الإنساني، الذي يدفع باتجاه مشاركة الآخرين لمشكلاتنا وهمومنا بل حتى أمراضنا العضوية أو النفسية، ومن الملاحظ عندما يُصاب أحدنا بمشكلة نفسية يخفي ذلك حتى على أقرب الناس إليه، خوفا من الاتهام بالجنون مثلا، حتى أننا كمجتمع عاثت به ويلات الحروب، ما زلنا نعاني ضموراً كبيراً في مجال التطبيب النفسي، فالكل يتعامل مع هذا النوع من الطب بسرية تامة تقريبا، مع أنه طب مسموح به، بل يُشار إلى أهميته القصوى في البلدان المتطورة، لكننا ننظر إليه على أنه أمر مسيء لشخصيتنا، بل ننظر إلى من يراجع الطبيب النفساني، على أنه مصاب بعاهة خطرة!!، فيبتعد عنه الناس ويتجنبونه، مع أن التعامل الصحيح يستلزم العكس تماما، ويتطلب منا جميعا تعاملا عصريا مع الطب النفسي الذي قيل فيه كما ورد في الوكيبيديا (هو الفرع الطبي المتخصص في الوقاية والتشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية. ويدرس الطب النفسي الاضطرابات العقلية والسلوكية عند الإنسان الناشئة عن خطأ في عمل الدماغ، أما لأسباب تتعلق بمعطيات جينية أو لأسباب ناشئة عن تلف عضوي قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في عمل الدماغ، وهي أيضا قد تنشأ نتيجة وجود الفرد في وضعية ضاغطة وصادمة وغير تأقلمية، فالغاية من الطب النفسي تصنيف هذه الاضطرابات وتحديد أسبابها وطرق علاجها إما دوائيا أو بوسائل أخرى)، وهكذا نلاحظ أن المرض النفسي لا يختلف عن غيره من الأمراض ولا ينبغي إخفاؤه أو التستر عليه، أو تجنب الحديث عنه، لأنه مرض يتعلق بعمل الدماغ ويمكن معالجته كما هو الحال مع الأمراض الأخرى التي تصيب الإنسان لسبب أو آخر، فأين مكمن المكابرة هنا، وما هي الأسباب التي تستدعي الانعزال في حيّز الذات، وتحاشي حضور الآخرين في مشكلاتنا؟ مع أن الواقع يؤكد خطورة إخفاء المشكلات التي يتعرض لها الإنسان، فردا أو حتى عائلة، إذ تؤكد دراسات متخصصة، إمكانية تنامي حالة الانطواء عند الإنسان، في حالة عدم معالجتها، لتتحول بالنتيجة إلى سلوك سلبي يدفع بصاحبه إلى حالات مريرة من اليأس والعزلة والاكتئاب المزمن، الأمر الذي يدمر إرادة الإنسان ويشل تفكيره تماما، لهذا لابد من نشر الوعي المطلوب في هذا المجال، لاسيما التعامل الطبيعي مع الطب النفسي، ومغادرة قوقعة الذات، والسعي لمعالجة الإشكالات الذهنية التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان كنتيجة طبيعية لضغوط العمل وتعقيد الحياة المعاصرة، على أن تُشاع بين الأطفال وشرائح المجتمع كافة ثقافة سلوكية، تبدأ من العائلة وتشمل المدارس ومحيط العمل، تدعم روح المشاركة في الآراء والمشكلات الفردية والجماعية، وعدم الخشية من الآخر، أو من طرح المشكلة في إطار جماعي يحرص على تقديم المساعدة للجميع من دون خشية أو تردد.
التخوّف من الآخر!
نشر في: 14 يوليو, 2012: 07:29 م