احمد المهنا يمكنك، عزيزي المبدع العراقي الكبير، تلقي مختلف أنواع التكريم، من الدعوات الى شتى بقاع الأرض، الى الجوائز من بلدان "التخلف" وبلدان "التقدم". وليس عليك أن تبذل في سبيل ذلك الكثير اذا كان الله قد منَّ عليك بموهبة، واذا كان تاريخك قد شفع لك بصيت وسمعة، واذا كان ذكاؤك قد اصطنع لك معادلة سحرية ملائمة.
والمعادلة السحرية، خاصة، لا تتطلب منك جهدا، شأن العمل على الموهبة، أو الشغل على الصنعة. انها معادلة بسيطة فعلا، ومجدية حقا. وهذه هي: أولا استجمع يساريتك وركِّز عليها، وثانيا أضف اليها عدواة أميركا، وثالثا أرم "العملية السياسية" بالعمالة، ورابعا ارفع صوتك عاليا وصاخبا ضد الطائفية، وأخيرا اعرضْ عن زيارة العراق وعن رؤية أهله في الخارج والداخل إعراضا تاما.فهل هناك ابسط من جمع هذه العناصر الخمسة في معادلة واحدة؟ هل تكلفك من خسارة، مادية او معنوية، وأنت المغترب أصلا عن وطنك؟ أنت، المبدع الكبير، الذي يحق له ما لا يحق لغيره؟ أنت الموهبة والتاريخ الموضوعان في "مجد" أعلى من النقد وأرفع من الإدانة؟ أنت "الحر" حرية تامة من قيود الزمان والمكان، ومن الحاجة والرهبة، والأهم من "الضمير" الموجع المرهق المحزن على الدوام؟وفوق غياب كل خسارة، وانعدام أي مرارة، ستبني بتلك المعادلة عمارة. طابقها الأول مكوّن من رضا اليسار في كل أرجاء العالم. الطابق الثاني مودة القوميين العرب. الثالث عطف الاسلاميين. ان كل الأهواء السائدة والفائرة فورانا شديدا في العالم ضد الرأسمالية والمؤامرات الغربية تشد على يديك. وهي اهواء "بساط الريح" التي ترفع عنك ملل الشيخوخة، وتزيح عن كاهلك ثقل دم الرتابة، وتحملك دوما من عاصمة لأخرى، ومن جزيرة الى بحيرة، ومن مكافأة الى جائزة. وهنا أو هناك، في مقهى أو حانة ستكتب، أو تقول، ان العراق انتهى. ولن تجد ضيرا، ولا حزنا ولا ألما، في نهاية شعب أو انقراض وطن. اذ يمكنك، اذا أُحرجت، بالرد انه قول على سبيل المَجاز. أما من غير مثل هذا الاحراج فإنه التعبير عن "المعارضة الجذرية" للعراق الطائفي صناعة العدو الأميركي. وستكون انت الربٌّ المُدين للاستسلام المُبيد تحت اقدام المارينز. أنت الموقف. وأنت النذير وانت النبي.لا ضير ولا ضرار عزيزي المبدع الكبير. ففي المصائب الوطنية توجد على الدوام قلة رابحة. تغتني من غياب القانون أو ترتفع على قاعدة انعدام الضمير. والقانون والضمير لا يتأتيان من سهولة الاستجابة الى ما يطلبه المستمعون، ولا من تملق جمهور مسكين فاقد البوصلة والاتجاه. القانون والضمير، هذان المقدَّسان، انما يبنيان من التضحية والمكابدة، من المجاهدة في المعرفة والمعاناة من الحساسية، من مراجعة النفس وتحميلها جزءا من خطايا المجتمع، ومن العطف والخوف على مصائر الناس. وهذا البناء مشروع أكبر من أن يلتفت اليه نصَّاب، وابتلاء أعظم من ان يُعنى به كذَّاب.والفاجعة ليست أن يكون المبدع الكبير نصابا أو كذابا. فهذا نصيب لا يغبط عليه، ومصير لا يحسد عليه، ولو كان رابحا وشهيرا وسعيدا. ولكن الفاجعة هي أن شخصا مفتقدا الى الشفقة، لامباليا تجاه المحنة، خاليا من الشعور بالمسؤولية، ويكون رغم ذلك كله ممجدا كوطني وثوري كبير. هذه هي المأساة.
أحاديث شفوية :النّصاب
نشر في: 14 يوليو, 2012: 09:45 م