احمد المهناالماضي ليس كله سيئا. انه لا يكون كذلك الا في حالة واحدة، وهي عندما يحكم الحاضر، عندما يلغي الحاضر. فذلك يعني الموت. وهذه هي مشكلة الفكر الطائفي، فهو لم يفارق عصر "الفتنة الكبرى"، ولم يتحرر من صراعاتها، وانما ظل سجينا فيها، قافلا عقله عن الحاضر والمستقبل: أي عن الحياة.
عدا ذلك فان من يقول ان الماضي كله سيء لا حاضر له ولا مستقبل. فالماضي هو من أين جئت، وكيف تكونت. انه كل شخص، كل بلد، وكل أمة. فكل من هذه الأشياء لا يمكن أن يكون موجودا إلا لأن له ماضيا، أو تاريخا. ولعل من بين أحسن تقاليد العرب العريقة، أو ما يمكن أن يكون ذلك اذا أحسن توجيهه، هو تقدير المعارضة. فالعرب طوال تاريخهم يقدرون المعارضين أكثر مما يقدرون الحكام. ومن أقدم المأثور قولهم" نحن قوم لِقاح"، أي لا ندين أو نرضخ لزعيم. وفي أحسن الحالات، وهو الحاكم العادل، تجد نصف الشعب معارضا له على رأي البيت القائل:ان نصف الناس أعداء لمنولي الأحكام... هذا إن عدلولم يشتهر شعب في التاريخ بالمعارضة أكثر مما اشتهر أهل العراق. عمر بن الخطاب قال فيهم:" وأي نائب أعظم من مئة الف لا يرضون عن أمير ولا يرضى عنهم أمير". ولم يتفق الإمام علي ومعاوية في شيء الا في تشخيص خلق المعارضة عند العراقيين. فخاطبهم علي قائلا:"ايها.. المختلفة أهواؤهم المبتلى بهم امراؤهم". كما أوصى معاوية عشية موته ولده يزيد قائلا:" وانظر أهل العراق فان سألوك ان تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل، فإن عزل عامل أحب الي من أن تشهر عليك مئة الف سيف".ان شواهد التاريخ البعيد والقريب تؤكد حقيقة أن العراقيين يحبون المعارضة. فلأنه كان معارضة سيطر الحزب الشيوعي على الرأي العام العراقي نحو ثلاثة عقود. ومازلت اذكر كيف كان بعثيون عديدون خجلين من السلطة أول عهدهم بها بعد 1968، فقد كانوا يعرفون ان المعارضة ليست هوى في رأس العراقيين، وانما هي لديهم رأس الهوى.وعندما كنت جنديا ودارت علي شبهة سياسية في زمن البعث، قدم كثير من الجند والمراتب، بمن فيهم كل حراسات الزوايا الأربع لمعسكر الفرقة، صورا من التعاطف معي لن أنساها ما حييت. وحتى بعض نواب الضباط والضباط الذين تغالظو معي نوعا ما يومذاك، كنت الاحظ من طرف خفي احترامهم لي، لأن تلك الشبهة وضعتني في خانة المعارضة. وكل ذلك يجعل تعلق الكتل السياسية اليوم بالسلطة أمرا شاذا عن الخلق العراقي. ربما للكرد قصة وحاجة خاصة مع الشراكة. ولكن ما معنى "تجليبة" ائتلاف العراقية بحكومة الشراكة؟هل حمتهم من القمع؟ هل زادتهم شعبية؟وهل هذه هي آخر حكومة؟ ألا توجد انتخابات مقبلة ستنبثق عنها حكومة أخرى؟ لماذا لا تعارض؟ او بالأحرى لماذا لا "تتعرق"؟لعل غياب "التعريق" هو مشكلة "العملية السياسية" بالجملة. فالدين لم يعد بالنسبة اليها العراق وانما "الشركة". ومن المشكوك فيه أن تكون هناك امكانية لتغيير "سياسة الشركة" الى "سياسة الوطن" دون انبثاق معارضة برلمانية، أو دون "تعريق". ان العراق الموالي فقط لم يوجد، ولن يوجد!
أحاديث شفوية: مجد المعارضة
نشر في: 15 يوليو, 2012: 07:08 م