لطفية الدليمييضم كتاب( حصان نيتشة) الاعمال السردية الكاملة لعبد الفتاح كيليطو مترجمة الى العربية مابين قصص وحفريات وصحائف ممتعة ،وبين هذه السرديات روايتان قصيرتان هما ( خصومة الصور) و (حصان نيتشة ) ..
يعمل كيليطو على سردياته بطريقة تشبه التناسخ فهي تتكون من سديم متناثر ، تتقارب موادها وتتباعد، تتصل وتفترق ويتكرر ظهور الشخصيات كما عند كثير من الكتاب في عدد من النصوص ثم تختفي لتعاود الظهور ثانية وكأن الكاتب يتيح لها ان تحيا من جديد وتغير عاداتها واساليب عيشها ومصائرها . يتعذر الفصل بين المقالة والسرد لدى الكتاب المتحررين من القوالب فهم يرون الكتابة فضاء حرية لاتحده التصنيفات والأطر المسبقة ،وقد تتجاذب النصوص فيما بينها وتتكامل كما يقول عبد الكبير الشرقاوي مترجم سرديات عبد الفتاح كيليطو للعربية وهو يصف قصص كيليطو التي تتوالد من متن مقالة أو دراسة ، او العكس فقد يتطور مشهد سردي لدى كيليطو إلى دراسة او مقالة ،وعندها يصعب الفصل بين البحث الفكري والادبي وبين التخييل ، فنعثر على كتابة متفردة تعصى على التصنيف الذي دأب عليه النقاد التقليديون.يتساءل كيليطو في مفتتح روايته الصغيرة ( خصومة الصور ) التي صدرت ترجمتها للعربية (2005)عن علاقة العرب بـ( الصورة ) ويضع أمامنا حشدا من الاسئلة حول الموضوع وكأن افتتاحية روايته مشروع دراسة او مقالة عن علاقتنا بالصور فيقول ( كثيرا ماتساءلت كيف كان ممكنا للعرب في الماضي ان يستغنوا عن الصورة . يبدو انهم ماكانوا يهتمون بذلك اطلاقا ، وهم على اية حال لم يبذلوا أي جهد لتخليد صورهم . ماذا كانت صورة هارون الرشيد والمتنبي وابن رشد ؟؟لن نعرف ذلك ابدا مع ان الرسم كان موجودا في بعض الحقب ) لقد غدت الصورة المرئية في أيامنا هذه أساسا لثقافة القرن العشرين ومن دونها لايتعرف أحد الى أحد بينما غابت عن المشهد التراثي العربي باستثناء اعمال الرسام العراقي يحيى بن محمد الواسطي الذي كسر تابو الحظر على رسم الانسان والكائنات الحية وتمرد على التقاليد السائدة وعانق ابداعات اسلافه سكان العراق الاوائل في سومر وبابل واشور وجسد لنا باسلوبه الساحر وبنائه الهارموني للصورة وايقاعات الوانه وحركات الشخوص المتناغمة - وقائع مقامات الحريري وصورها بالوان مبهرة نقلت الينا معارف كثيرة عن نمط عيش العراقيين في زمنه فمن ازياء وعادات وتقاليد ورحلات واحداث وحكايات وسلوك بشري ماكان لاحدنا ان يتعرف اليها لولا رسومات الواسطي الساحرة ، يعود كيليطو ليتساءل: (ماهو المكسب الذي حققه العرب بامتناعهم عن التمثيل بالصورة واذا كان غياب الصورة نقصا فكيف عوضوه ؟؟الثقافة التي تحظر الصورة او تهملها الا توظف ذاتها في مكان آخر ن في الكلمات والنصوص وفي أدب فريد ؟؟ربما كانت هذه هي الوجهة التي ينبغي منه مساءلة ظواهر مثل السجع والالعاب اللفظية وتقنيات تجويد الخط التي تحاول تصوير النص وتشخيصه ) لاادري كيف فاتت كيليطو الاشارة الى تمرد الواسطي على موضوعة حظر الصور ؟؟ وانه كان الرسام الاسلامي العربي الاول الذي انفلت من اغلال القمع التحريمي وانجز تجسيده الفريد لرسومات مقامات الحريري .لقد حقق الواسطي ذاته وذوات الآخرين واخرجها من عدم الانكار والتخيل الى حقيقة الرؤية والتجسيد ، فكان الفنان الرائد الذي انوجد في الشكل المصور وأوجد سواه وسبق تساؤلات كيليطو عما يمكن ان يفقده العرب بدخولهم عصر الصورة التي فرضتها الثقافة المعاصرة .
قناديل:عبد الفتاح كيليطو..حصان نيتشة وخصومة الصور والواسطي
نشر في: 15 يوليو, 2012: 07:22 م