علي حسين عبيدلا تزال الكتل والاحزاب السياسية العراقية، تتصارع في حلبة المصالح والاهواء، بحثا عن مسلك يقودها خارج عنق الزجاجة، فمنذ أسابيع متتابعة، يتحدث الجميع عن سبل وطرائق مختلفة لسحب الثقة من رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي، وحدثت اجتماعات متتالية للكتل والاحزاب والشخصيات المعارضة في اربيل والنجف، إذ يتحدث الجميع عن، الثقة الدستورية بالحكومة، وكيفية سحبها منها، أو بالاحرى من رئيسها!.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل الثقة التي يتحدثون عنها، موجودة أصلا حتى يتم سحبها؟، بمعنى أوضح، هل يتصرف السياسيون بحسن نية مع بعضهم البعض، وهل يضعون الدستور وبنوده معيارا لادارة الدولة؟ أم هناك خروقات كثيرة تُرتكب باسم الدستور، فتسيء لدولة المؤسسات التي يسعى العراقيون لبنائها، وتضيع الخطوط الفاصلة بين السلطات، ويتم تذويب استقلالية المؤسسات، فنكون ازاء صراع متعدد الاطراف والجبهات في آن واحد، والسبب دائما هو فقدان الثقة بين السياسيين سواء رؤساء الكتل او الاعضاء. فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن حس المؤامرة والخوف من الآخر، هو الذي يسيطر على الفرقاء السياسيين في العراق، لدرجة تغيب معها الثقة العملية على نحو شبه تام (كشعور وسلوك عملي)، فيؤدي ذلك بدوره الى ضعف او غياب الثقة الدستورية التي تسمح للحكومة (السلطة التنفيذية) باداء دورها على افضل وجه ممكن، لكن ما يحدث يمكن توصيفه على انه حالة من الصراع الحاد بين أهم سلطتين في الدولة (التنفيذية والتشريعية) حيث تضع كل منهما المعرقلات أمام السلطة الاخرى، فتُشَل حركة الدولة كلها وتتبعثر جهود الاعمار او تصحيح الاقتصاد او ترميم البنى التحتية وما شابه، لأن الصراع بين السلطتين المذكورتين يؤدي بالضرورة الى حالة عدم انسجام بين مؤسسات الدولة المهمة، الامر الذي يقول الى ايقاف عجلة التطور والتقدم الى امام في معظم ميادين الحياة، والسبب في ذلك كما هو واضح عدم اعتماد الثقة بين السياسيين، تحت خيمة الدستور، فالكل يعرقل عمل الكل، ويضع امامه مشكلات مستعصية، لكي يسهم في تعجيزه وأخيرا فشله.فتفشل الحكومة باداء مهامها، ويفشل البرلمان باداء مهامه ايضا، وينعكس هذا الفشل على اداء السلطة الثالثة (دار القضاء)، بل يتسلل الفشل الى سلطة رابعة مفترضة هي (سلطة الاعلام)، الذي يتأثر بهذا الصراع سلبا وايجابا بسبب التمويل وما شابه، باستثناء الاعلام المستقل، وهكذا يبدو المشهد السياسي مرتبكا ومستعصيا ومثيرا للقلق، كما نلمس ذلك لدى الشارع العراقي، إذ حتى بسطاء الناس باتوا يتساءلون بقلق واضح، عما يحدث بين السياسيين، لاسيما في قضية سحب الثقة من رئيس الوزراء، وعملية جر الحبل التي ما زال يمارسها الفرقاء السياسيون منذ أشهر، دون الوصول الى الحل الذي يرضي جميع الاطراف. إذن الثقة غائبة أصلا، والصراع على أشده، والخسائر المتوقعة كبيرة جدا، ليس على فقراء الشعب العراقي فحسب، إنما ستتعرض الطبقة الحاكمة والطبقة السياسية نفسها الى خسائر قد لا تخطر في بالها او لا تتوقعها، فما حصل في العراق منذ تسع سنوات عبارة عن بناء صعب وبطيء ومضني لعملية سياسية تعرضت في اكثر من مرحلة الى استعصاءات كبيرة، وربما هذه المشكلة الحالية (سحب الثقة) أكبرها وأصعبها واكثرها استعصاءً، مع تنامي حس المؤامرة بين الجميع، وغياب جسور الثقة بين الكتل والاحزاب، وتسيّد منهج الاستئثار والاستحواذ وربما الانتقام والتسقيط بين الفرقاء، بدلا من الاحتكام الى الدستور، في اجواء متوازنة تسودها الثقة الحقيقية، وليست المزيفة او الشكلية التي تظهر على ملامح السياسيين الظاهرة، فيما تكون قلوبهم مليئة بالقيح والحقد على بعضهم.إن الحاجة الى معالجة المرحلة الراهنة واشكالاتها التي تبدو على قدر كبير من الخطورة، وتستدعي حكمة عالية من لدن القادة السياسيين انفسهم، وتتطلب ايضا إنعاش منهج القبول بالآخر، والتعامل معه على انه مساعد ومتعاون، حتى لو كان معارضا ضمن الاطار الدستوري، ولا يتحقق هذا الهدف ولا تسود مثل هذه الاجواء إلا بحضور الثقة الدستورية والعملية معا، فهل يعي المعنيون في السلطات الدستورية للدولة هذا الشرط، وهل سيحتكمون إليه قبل أن تضيع فرصتهم بمغادرة عنق الزجاجة؟.
غياب الثقة الدستورية
نشر في: 15 يوليو, 2012: 07:25 م