عدنان حسين من العسير للغاية أن نصدّق بأن الحمّى الإصلاحية المتفشية في المنطقة الخضراء وحواليها، حيث تقيم قيادات الكتل السياسية المتصارعة على السلطة والنفوذ والمال، ناجمة عن حمية حقيقية لتعديل المسار المنحرف للعملية السياسية وتنظيفه مما تراكم فيه من قمامة ورمم تسمم حياة المواطن العراقي.
يتسرب إلى الإعلام من معلومات عن اجتماعات وأوراق "إصلاحية" يشير إلى أن هذه الاجتماعات والأوراق لم تزل تدور حول فكرة تقاسم السلطة والنفوذ والمال وتحقيق نوع من "العدالة" في توزيعها على الأطراف التي تحتكر العملية السياسية، في إطار نظام المحاصصة الطائفية والقومية الذي يراد له ان يترسخ أكثر برغم الشكوى الجماعية غير الصادقة منه.العملية السياسية انحرف مسارها منذ أن طُرحت على الاستفتاء العام صيغة ناقصة وملتبسة للدستور مع توصية بتعديل هذه الصيغة قبل أقل من سنة من أول انتخابات تجري وفقا للدستور، وقد مرت الآن ست سنوات على الموعد الموعود للتعديل الذي لم يتحقق ولم تظهر بعد أي اشارة على ان أطراف الصراع السياسي راغبة في هذا التعديل الان أو في المستقبل.مفتاح الإصلاح وبوابة الولوج الى النظام الديمقراطي يتمثلان في تعديل الدستور. وهذا لا يكون بدفع المقترحات التي قُدمت قبل ست سنوات الى لجنة في مجلس النواب لمراجعتها واقرارها قبل طلب الاستفتاء عليها، فالمواقف المتعارضة المتواصلة، بل المتفاقمة، لقوى العملية السياسية ستعمل هذه المرة أيضاً لغير صالح التعديل. لذا فالمنطقي ان يُعهد بأمر التعديلات المقترحة الى لجنة متخصصة من الخبراء في شؤون القانون والقانون الدستوري والسياسة والاقتصاد والمجتمع. وهذه اللجنة لا تقترحها الكتل والائتلافات المتقاسمة السلطة استناداً الى نسب المحاصصة المعمول بها في مختلف قطاعات الدولة، وإنما يجري تشكيلها من شخصيات متخصصة مشهود لها بالكفاءة والخبرة والحيادية والموضوعية والوطنية. بهذا فقط نضمن إعداد صيغة جديدة للدستور لا تتجاذبها الأهواء الطائفية والقومية، ولا تتقاذفها صراعات المصالح ومناكفات التنافس.والى جانب الصياغة الرصينة للدستور لابد من ضمان التقيّد بمبادئه وأحكامه. فالكثير من المشاكل القائمة الآن ترجع في أسبابها الى عمل السلطات، وبخاصة البرلمان والحكومة، بخلاف الدستور (نظام التوافق والمحاصصة أكبر خروج على الدستور). كما ترجع هذه المشاكل الى تأويل النصوص بحسب المصالح. وهذا بالذات يتطلب تشكيل المحكمة الدستورية المختصة بالنظر في الخصومات الدستورية والبتّ فيها.جملة القول ان قضية الإصلاح المطروحة الان لن يكون لها أي معنى ولن تكون في الأساس من دون تعديل الدستور ومن دون صياغة مواده بما يحول دون تأويل كلماته ومصطلحاته ومن دون المحكمة الدستورية.
شناشيل:حمية إصلاحية زائفة
نشر في: 15 يوليو, 2012: 09:03 م