علي حسين في جلسة الاستجواب التي عقدها البرلمان عام 2009 ظهر وزير التجارة آنذاك فلاح السوداني مبتسما، يوزع النظرات بوداعة ومودة، متأنقا يغدق الأوصاف الحميدة على مساعديه الذين وصفهم بالأبطال لأنهم استطاعوا وبشطارة أن يجعلوا العراقيين يهضمون مواد غذائية غير صالحة للاستخدام البشري،
ولأنهم أناس أفاضل لم تتلوث أيديهم بدماء الغير، وكل ذنبهم أنهم حولوا أموال الحصة التموينية إلى حساب خاص بالسيد الوزير وأقاربه، ثم أعلن لنا برقة متناهية انه يسامح كل من أساء إليه فحساب هؤلاء المغرضين عند الله حيث سيلقاهم الوزير المؤمن بوجه ابيض. كنت انظر إليه وهو يتحدث بصوت خاشع قانع، بأنه يتعرض لمؤامرة تقودها قوى عملية لإفشال مشروعه النهضوي ولم ينس أن يحذر من الأجندات التي تلاحقه ليل نهار وهو يجيب على سؤال النائب صباح الساعدي الذي بدا واضحا: أين ذهبت أموال الحصة التموينية؟ فقال الوزير المؤمن بقضاء ربه: "إطلاق مثل هذه الادعاءات الكاذبة والمسيئة، التي لا تستند إلى الحقيقة والواقع وعرضها بهذه الطريقة المشوهة غير المسؤولة أصبحت معروفة المقاصد من الذين يقفون وراءها؛ إن ما أتعرض له لا يخلو من أجندة خاصة وتصفية الحسابات". فلاح السوداني بدا لنا آنذاك رجلا بسيطاً، وهو يقسم بأغلظ الإيمان بان المتأمرين يريدون أن يقضوا على مستقبله السياسي.. الرجل الذي ابتدأ حديثه بالآية الكريمة: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" كان يريد من النواب ألاّ يصدقوا تقارير لجان النزاهة لأنها نوع من الفسق يصيب كل من يقترب منها، حتى أن شيخا مثل خالد العطية الذي ترأس جلسة البرلمان حينها بدا عليه الامتعاض والضجر وهو يرى صديقه الأثير يتعرض لهذا الموقف المهين، وحاول بطريقة تثير الاستغراب أن يدافع عن الوزير السوداني بكل ما أوتي من بلاغة، لا لشيء إلا لكونه وزيرا ينتمي إلى نفس القائمة الحزبية التي ينتمي إليها العطية. في ذلك اليوم ثار النائب عبد الهادي الحساني لان الاستجواب يخالف الأعراف الدستورية .. ووجدنا القيادي حيدر العبادي يفور غيضا وهو يرى زميلا له -مؤمنا.. يؤدي الفرائض بأوقاتها.. ويحمل لقب حجي الذي يفضله على لقب أستاذ أو معالي الوزير- يوضع في موضع الشبهات، وحين ضرب العراقيين أخماسا في اسداس حول المصير الذي سيؤول إليه وزير التجارة بعد أن ثبتت الاتهامات عليه خرج علينا المقرب جدا سامي العسكري ليحسم الجدال والتنبؤات وليقول لنا إن الوزير لا يحتاج لأن يقدم استقالته لان: "جميع وزراء كتلة الائتلاف العراقي الموحد كتبوا استقالاتهم قبل تسلمهم مهامهم الوزارية.. وهذه الاستقالة تصبح سارية المفعول بمجرد ان يوقعها رئيس الوزراء "هكذا وببساطة قالوا للسوداني اذهب أنت وأموالك إنا هنا منتظرين مزيدا من المغانم والمنافع".بعدها قرر المقربين من السيد المالكي أن يظهروا "العين الحمراء" لكل من يعارضها او يحاول الاقتراب من قلاعهم الحصينة، وبدأت عمليات القصف العنيف ضد الرجل النحيف صباح الساعدي لأنه تجرأ ووقف أمام الوزير المؤمن يسأله عن الفساد الذي نخر جسد وزارة التجارة.. واعتبر الساعدي منذ ذلك التاريخ خطرا على الأمن الوطني.ولأن السوداني رجل شديد الذكاء، أوصلته فطنته الى ان يشد الرحال لا الى مدينته البصرة التي ولد فيها وإنما إلى بلده الثاني بريطانيا التي يحمل جنسيتها لكي يستثمر اموال الحصة التموينية هناك في مشاريع "خيرية" مستفيدا من سماحة الحكومة ووداعتها مع مقربيها وأحبابها حيث ظلت حتى لحظة صدور امر إدانته تقسم بكل أديان الأرض أن السوداني بريء وان لجنة من المقربين من أصحاب المواهب بصدد إعداد سيناريو يروي تفاصيل الظلم الذي تعرض له وزيرها "الحاج" نصير الصدق والحق والعدل.وبناء عليه ندعو الله صادقين أن يكون السيناريو الذي يكتبه المقربون صادقا، وأن تثبت الأيام أن السوداني لم يستولِ على أموال الناس، وأن الاتهامات التي وجهت له ناتجة بالفعل عن أعداء ينفذون أجندات أجنبية.. ولأننا شعب مغلوب على أمره نتمنى ان يستمر عصر فلاح السوداني، وهو العصر الذي يعبر عن الحالة التي نعيشها، لاننا نجد كل يوم ألف.. ألف سوداني يعيشون بيننا.
العمود الثامن:نحن نعيش عصر فلاح السوداني
نشر في: 16 يوليو, 2012: 06:52 م