احمد المهنا ليست لدي خبرة أو فكرة عن فائدة افتتاح مراكز ثقافية عراقية في عواصم العالم. أقول هذا بمناسبة تأسيس "المركز الثقافي العراقي في لندن" الذي حضرت افتتاحه مساء امس الأول. وهو الثالث من نوعه بعد اقامة مركزين آخرين في واشنطن واستوكهولم.
أو الجدوى من اقامة أي مؤسسة قد تدرك من خلال التحديد المسبق الدقيق لوظائفها، أو قد تدرك مع تبلور هذه الوظائف خلال الممارسة. وما سمعته من "أهداف"، عبرت عنها كلمات مسؤول في وزارة الثقافة، لم يسعفني في تكوين فكرة عن "وظائف" دقيقة للمركز، وان كان قد أشعرني بالتطلع الى وظائف وأهداف "طموحة".أما برنامج حفل الافتتاح فلم يكن على درجة من الغنى والإمتاع تسمح بالتفاؤل، خصوصا مع كلمات المشرفين على الحفل، ذات الطابع التمجيدي للذات، من نوع "بلد الحضارات"، أو المؤاسي للذات من نوع "بغداد ما اشتبكت عليك الأعصر الا ذوت ووريق عمرك أخضر". وأظن ان البرنامج كان يمكن أن يكون أغنى وأمتع لو استشيرت مواهب وكفاءات عراقية لا تشكو لندن من قلتها.كما أن بعض فقرات برنامج الاحتفال كانت أقرب الى طبيعة المناسبات الاجتماعية أو المدرسية منها الى الثقافية، شأن مشاركة طفلتين شقيقتين جميلتين بالقاء قصيدتين احداهما مقطع من قصيدة "غريب على الخليج" للسياب. وذلك خلافا لفقرات أخرى ترتفع في المستوى، وتشعرك بأنها في محلها، شأن مشاركة الشاعر البريطاني ستيفن واتس.وكان الأديب صلاح نيازي شمعة الحفل. كالعادة كان "أبو ريَا" مفيدا وممتعا. فقد نصح القائمين على المركز بتحديد اهدافه، وتقليلها ما أمكن. لأن الأهداف كلما زادت ضاعت. التواضع ضروري يا جماعة، "ولا تكونوا بمثل ما كانت عليه حالنا أيام الناصرية، عندما كانت المدرسة تعلمنا بأن لا نقنع "بما دون النجوم"، ونعود الى البيت فنجد كسرة الخبز حسرة علينا"!وتوقف نيازي عند تجربة المركز الثقافي العراقي في لندن مطلع السبعينيات، وكيف انها بلغت درجة من النجاح، الى حد أن جريدة (الأوبزرفر) وضعته كأحد المعالم التي تنصح سياح العاصمة العريقة بزيارتها. ولكن "الحكومة وحيدة القرن"،على حد تعبيره، سرعان ما فرطت بذلك النجاح البديع، وحولته الى فشل ذريع، مثلما فعلت في كل شيء.وأغلب الظن ان افتتاح المركز حدث طيب بالنسبة الى جمهور عراقي كبير في لندن، يأمل ان يجد مناسبات تجمعه، وتصل بعضه ببعض، ويتعرف أو يقترب فيها الى الأدباء والفنانين والكتاب العراقيين المغتربين في بريطانيا، ويستمتع خلالها بأعمالهم واضاءاتهم، فضلا عما يمثله ذلك من تعويض للنخبة الثقافية المغتربة عن خسارة جمهورها وبلدها. وهذا في حد ذاته "هدف" معقول وجيد للمركز، بالنظر الى وجود جالية عراقية كبيرة في بريطانيا. وتحقيقه لن يكون يسيرا، اذا لم يشعر جمهور الجالية بأن المركز وجد من أجل خدمته، لا من أجل الدعاية للحكومة، ولا لفائدة بضعة موظفين وموظفات ينتفعون أو يرتزقون به، وعلى طريقة "المحاصصة" أيضا.ان حلم "المؤسسة النظيفة" الخادمة للجمهور مازال يراود الجمهور العراقي سواء على أرضه أو في مغترباته. وتحقيقه، على الأقل في حالة مثل هذا المركز، ليس صعبا اذا خلصت النوايا. كما أن من السهولة تحويله الى خيبة أمل أخرى اذا تعكرت النوايا.
أحاديث شفوية:مركز ثقافي في لندن
نشر في: 16 يوليو, 2012: 06:53 م