اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الشعر والسياسة

الشعر والسياسة

نشر في: 16 يوليو, 2012: 07:00 م

ياسين طه حافظ (4-5) ومهما اختلفت المضامين المباشرة لذلك الشعر، فهو شعر سياسي رافض بالدرجة الاولى، متمرد على الرسمي والاعراف والنظُم بما فيها نظم الكتابة! فنياً، هذه الاشعار تنتمي لما يُسمى بـlight Verse أي الشعر الخفيف (الوزن)، العابر، تمييزاً له عن الـSerious Poems  القصائد الجادة. ارجو ملاحظة كلمة verse التي تعني نظم بعد light التي تعني الخفيف أو خفيف الوزن أو غير المهم. وملاحظة كلمة قصائد Poems  بعد serious  الجادة.
فالشعر الاول غالباً ما يكون نكاتاً او طرائف او مفارقات اجتماعية او جنسية او سياسية للإثارة او للإضحاك. اما القصيدة الجادة، فهي العمل الفني المُتْقَن الذي يخضع لنظام القصيدة او الذي يغامر بتجريب مدروس، فللقصيدة الجادة دائماً معمارُها التقليدي Traditional أو الجديد الخاص.شعراء الاندركروند، او اللايت فيرس، عادة ما يكونون شباباً منفلتين او متسكعين، يتحرشون بهذه او بذاك يتصرفون تصرفات معيبة مثل الاحتكاك بالنساء في ممرات الفنادق أو في الساحات العامة يقرأون اشعارهم هنا وهناك كما يحاولون ايجاد فرصة للكتابة على الحمامات النسائية. هم ليسوا رجالاً كيّسين او سادة مهذبين...الخ. من عشرات من هؤلاء ظهرت أربع او خمس أسماء مهمة فقط، أكملوا دراساتهم الاكاديمية العليا وصاروا اليوم من اقطاب الحداثة الشعرية، وهؤلاء كانوا أصلاً مؤدبين وذوي لياقات اجتماعية اما الباقون فظلوا بلا قيمة ادبية ولا اخلاقية تذكر، انما شكلوا ظاهرة عابرة ظلت للدراسات الاجتماعية. وقصائدهم عادة بضعة اسطر واذا طالت فلا تتعدى الصفحة الواحدة وقليل منهم اكمل الصفحتين. لا يعنينا طول القصيدة قدر ما تعنينا اهمية موضوعها وعمق الفهم للحياة ومستوى التأمل.ما اردت قوله، اننا ما عدنا نرى شعراء سياسيين كباراً منصرفين لموضوعهم بعد ويتمان. وحتى كيسنبرج المتوفى 1962، تتمتع قصائده السياسية بحيوية، لكنها تفتقد الرؤية الواسعة والمضمون المتماسك. فهو يشتم او يدين حين لا تتيسر له فرصة جنسية او ينزعج سياسياً او حين يتأخر القطار او لان التي اشتهاها، او الذي اشتهاه، ما عاد في متناول اليد.. شعراء كهؤلاء لا يكونون شعراء كباراً كأولئك الذين يحترمهم التاريخ والذين ذكرناهم ومن ثم سوف نذكرهم في مكان آخر.التطور الحقيقي الذي حدث للقصيدة السياسية هو تحوّلها من قصيدة مبادئ سياسية الى "قصيدة ضد". في هذا التحول جمعت القصيدة بين الفردي والعام وتحررت من النظرية لتحتفي بجوهر الشعر، وبهذا امتلكت صفاءً أكثر وحرية اكبر. وهو اول تطور حديث ينهي الخلاف بين الفرد والجمهور ويغتني بمزايا الطرفين. ويكاد يكون جل الشعر العالمي اليوم من هذا النمط، وكذا شعر الحداثيين العرب.هنا نكون قد خلفنا وراءنا الكلاسيكية التقليدية بعروضها وخطابيتها وعموميتها، فغالب هذا الشعر، إذا نحينا البلاغة والبراعات النظمية كان مقالات سياسية منظومة ليست وراءها تجارب شعرية متكاملة على الإطلاق، غير أنها كانت عامرة بالانفعالية التي يحتاج لها الخطاب. وهذا ما يُذكَر لها.ابتعدنا الآن عن المرحلة الثانية، وما اسميها مرحلة بدايات الحداثة، بعد الحرب الثانية والى الخمسينيات، حيث ابتدأ الشعر السياسي يكتسب شكلاً، وكانت التجارب المتأثرة بالواقعية الاشتراكية واليسار الماركسي هي الطاغية فيها. والتي بدأت بـ "طيبة" لعبد الرزاق عبد الواحد، واباريق مهشمة لعبد الوهاب البياتي، يضاف لهما المومس العمياء والاسلحة والاطفال للسياب لتبنيهما الاحتجاج على الواقع الاجتماعي المدان سياسياً. وفي رأيي ان قصيدة "بور سعيد" للسياب هي آخر الخطابيات الجيدة، التي استطاعت بتقنيتها ان تضع علامة الانتقال من الخطابية السياسية الى التحديث في القصيدة السياسية.اما بالنسبة لحركات الشعر في العالم، فبعد الانكسارات الثورية والاحباطات وضياع الآمال في المعسكرين، وبعد الانشغال بخزعبلات الاندركروند وغياب الاسماء الكبيرة في الشعر السياسي، تصدت الترجمة الى الانجليزية لتؤدي دوراً تعويضياً فترجمت مجموعات للشعراء الروس اللاجئين او المنشقين وشعراء اوربا الشرقية، ومن الشعر الافريقي المضاد وشعر امريكا اللاتينية لتشغل هذه الاشعار السياسة وشعراؤها الوسط الثقافي في بريطانيا و القارة (المقصود بالقارة هنا اوربا) والولايات المتحدة. انتشرت هذه المجموعات الشعرية وحققت حضوراً واضحاً للشعر السياسي غطى على غياب جيل الثلاثينيات. حتى ان الشاعر Robert Lowell روبرت لويل زوج الشاعرة سيلفيا بلاث، ترجم الى الانجليزية "هاملت في روسيا" لباسترناك وهي تظهر محنة الفرد تحت وطأة الحكم الشمولي. كما ترجمت اشعار ميووش البولوني، وهو بدوره ترجم لصديقة زبغنيو هربرت. وترجم "مندلستام" قصائد Shaniar  "حملان" وهي سلسلة قصائد كتبها الشاعر الاخير وهو محكوم بالاعدام. هذه الترجمات قدمت لبريطانيا وعموم الغرب شعراً سياسياً مضافاً وجديداً في روحه وعمق جراحاته. بعض اسباب انتشار هذه الاشعار السياسية المترجمة هو الاعجاب بفنها وانسانيتها، والبعض الاخر، وهو الغالب، أكدته مؤسسات سياسية مضادة، مما حفلت به ثقافة الحرب الباردة.لكن هذا الشعر القادم من اليسار، لم يكن فناً شعرياً حسب. كانت وراءه رعاية سياسية وصلت حد التأسيسات المخابراتية. فالتأسيس المخابراتي الذي بدأه "ديزنر" تولاه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram