TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > وضعية المرأة هنا والآن

وضعية المرأة هنا والآن

نشر في: 16 يوليو, 2012: 07:05 م

محمد حمزة الجبوري     يتخذ استغلال المرأة شكل الاعتداء على كيانها على ثلاثة صعد رئيسية ،من خلال ما يفرض عليها من وضعية اجتماعية وعلائقية وجنسية لا تتيح لها أن تصل إلى الاستقلال،وبالتالي إلى المساواة والحصول على حقوق المواطنة بالشكل الكامل ،حيث تتعرض لعملية تبخيس دائم لجهدها ،مما يسمح للرجل باستغلال هذا الجهد
 دون مقابل أحيانا ،كما تتعرض لتبخيس إمكاناتها ،مما يدفع بها دوما إلى مواقع إنتاجية ثانوية بعيدة عن الخلق والإبداع ،وتتعرض في المقام الثالث إلى طمس هذه الإمكانات والطاقات من خلال حرمانها من فرص التدريب الملائمة بشكل متوازن مع الرجل ،وتتعرض رابعاً لغرس عدم الثقة بنفسها وإمكاناتها مما يجعلها تكتفي بمكانة مهنية هامشية وتتوجه كي تحقق ذاتها إلى ميادين أخرى لا تعطيها سوى وهم تحقيق تلك الذات.هناك طبقية واضحة في توزيع النشاطات المهنية بين الرجل والمرأة ،فهي تعطى دوما الأعمال الثانوية أو  الرتيبة التي تخلو من الإبداع وتظل في حالة تبعية للرجل الذي يحتكر الأعمال الأساسية مما لا يتيح له بسط نفوذه عليها ، ويقسّم العمل عادة انطلاقاً من اعتقاد ضمني بالدونية المهنية للمرأة وتحاط هذه بمجموعة من الأساطير والمعتقدات حول إمكاناتها الذهنية أثبتت الدراسات النفسانية الحديثة بطلانها بشكل قاطع ،كأسطورة عدم صلاحية المرأة للنشاطات العقلية والرياضية والعلوم المجردة والتطبيقية والبحث العلمي العالي ،حتى حين تتساوى الكفاءة المهنية نجد ميلا واضحا نحو تفضيل الرجل على المرأة ،إذ أن القناعة بدونية المرأة المهنية متأصلة في عقل الإنسان المتخلف المبني على نمط طبقي أساسًا على نموذج السيادة والتبعية والتفوق والدونية،هذه القناعة تؤدي بدورها إلى فقدان المرأة الثقة بنفسها مهنيا مما يولد لديها عقدة انعدام الكفاءة الاجتماعية ،هذه العقدة متضخمة بالضرورة عند المرأة نظرًا لحشرها في أكثر الأمكنة قهراً . إن الأمر لا يستند إلى أساس بيولوجي أو ذهني بقدر ما هو نتاج عملية تشريط اجتماعي تخضع لها المرأة منذ نعومة أظفارها ،فمنذ البداية حرمت المرأة في المجتمع المتخلف كل فرص الارتقاء النفسي والذهني وكل فرص التقدم المهني من خلال سجنها في البيت وفرض مهمات الخادم عليها( كنس ،ومسح،وغسل وغيره) ،بينما احتفظ الرجل بالأعمال ذات القيمة مترفعًا عن أعمال المنزل التي تستنزف كيان المرأة بحجة إنّه كاسب القوت ومعيل الأسرة وإنّ له حق الخدمة على زوجته التي ستجوع وتعرى من دونه ،لقد فرض على المرأة وضع لا خيار لها فيه سوى الرضوخ لهذا المستوى الذي يستنزف كيانها دون مقابل ،وبعد ذلك يأتي الرجل معتداً بذاته لأنّه يعيلها ويسترها .منذ البداية تعد المرأة لوضعية التبعية للرجل ،إنها في دراستها وإعدادها المهني تحرم الكثير من الفرص التي تسمح بتفتح إمكاناتها وطاقاتها وتساعدها على الانطلاق أسوة بالرجل ،حتى إن دراستها هذه بعد أن بدأت تذهب إلى المدرسة لا تؤخذ على محمل الجد ،إنها وسيلة تزيد من قيمتها كزوجة مقبلة ليس إلا، فإذا كانت تتمتع بقسط من الحسن والجمال اعتبرت الدراسة غير ضرورية لأنها تمتلك رصيداً يتيح لها الزواج السريع ،بينما نرى الأهل يقلقون أيما قلق على دراسة الصبي ويحيطونها بكل الجدية التي تستحقها لأنها الطريق إلى المستقبل الواعد ،أما الإعداد المهني للفتاة فهو جهد ضائع في نظر الأهل ومضيعة للوقت ،أو هو في أغلب الأحيان خسارة مالية طالما أن مصيرها الزواج والبقاء في المنزل ،ولذلك فإنهم يختارون لها في الغالب مجالات مهنية متوسطة المستوى وقصيرة المدى لن تقودها إلا إلى مكانة هامشية ،ومن الطريف هنا ملاحظة ردود فعل الأهل على الفشل الدراسي والتأهيلي لكل من الصبي والبنت ،فبينما يعتبر الأمر كارثة في الحالة الأولى ،إذا به يؤخذ بكثير من اللامبالاة في الحالة الثانية ،هذا التشريط الاجتماعي أدى إلى خمول المرأة وطمس طاقاتها الذهنية وغرس في نفسها دونية ذهنية ومهنية من الصعب بمكان علاجها ،لقد حوّل اهتمامها من الكيان الإبداعي إلى المظاهر المثيرة ،وحوّل توجهها إلى ميادين الاستهلاك والظهور التي ألصقت بطبيعة الأنثى كمجالات لتحقيق ذاتها وغرس في نفسها القناعة بأن العلم والعقل أمران ثانويان طارئان وأن الاهتمام المهني أمر عابر أو مستبعد ،وبعد أن يبخس كيانها على هذا الغرار نرى الرجل المتسلط يتخذ من هذا التبخيس حجة وسلاحاً يحاربها به ويطمس كيانها أكثر فأكثر في التبعية ،ذلك أن هذا الكيان الضحل الانفعالي الذي لا يعرف الجدية ولا يكترث إلاّ للتفاهات لا يمكن الاطمئنان إليه والثقة به ،ولقد تغلغل هذا التشريط في أعماق المرأة لدرجة بدأت معها تقتنع فعلياً أنها غير مخلوقة إلاّ للمكانة التي أعطيت لها ،وأن ليس لها مجال للخروج إلى الحياة وإثبات الذات في أعمال بنّاءة تضمن لها الاستقلال والمساواة مع الرجل ،إضافة إلى  أن الإجحاف في نوع العمل يلحق بالمرأة حيفا واضحا على مستوى التقويم المادي لعملها وإجحافا في الترقية وجورا في قوانين التعويضات والإجازات ،ولكن الأخطر من ذلك هو تجاهل تقويم الجهد المنزلي الذي يكاد يعتبر مجانياً ،فالمرأة العاملة في الخارج تعود إلى منزلها كي تعمل عدداً متوازياً من الساعات دون مقابل في تدبير شؤون المنزل والع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram