عدنان حسين يعادل عدد السكان في إسبانيا مرة ونصف عددنا نحن العراقيين (هم 48 مليون نسمة ونحن نُقدّر بـ 32 مليوناً، مع التأكيد على كلمة: نُقدّر، لأننا نبدو كما لو لم نزل نعيش في مطلع القرن الماضي قبل أن يعرف أجدادنا الإحصاء السكاني، وهذه واحدة من مفارقات نظامنا الجديد ومساخره). وبرغم هذا التفاوت في عدد السكان، فإن أعضاء البرلمان الإسباني يقل عددهم بـ 59 عن عدد أعضاء برلماننا (لديهم 266 نائباً ولدينا 325 عضواً في مجلس النواب، أي أن برلماننا يبدو بكرش كبيرة للغاية بالمقارنة مع برلمان إسبانيا).
وإسبانيا، كما قد لا يعرف الكثيرون، تحتل الموقع التاسع بين الدول الأقوى اقتصادياً في العالم والمركز الخامس بين دول الاتحاد الأوروبي، بفضل زراعتها وصناعتها وسياحتها وتجارتها، وقبل هذا بفضل نظامها الديمقراطي الحقيقي الذي يضمن انتخاب برلمان يمثّل الشعب خير تمثيل وتشكيل حكومة تجهد لخدمة الشعب على أفضل ما تكون الخدمة. هذا بالطبع يختلف اختلافاً كبيرا عما هو حاصل عندنا، ففي العهود السابقة لم يكن لدينا برلمان منبثق من إرادة الشعب ولا حكومة تضع مصلحة الشعب نصب أعينها. وفي العهد الجديد لم تتغير الأمور، فكأنما "نفس الطاس ونفس الحمام" كما يقول المثل الشعبي. فها نحن في السنة العاشرة من هذا العهد ولا مشكلة حُلّت ولا أزمة انفرجت ولا مصلحة حيوية للشعب تحققت، والعلّة في البرلمان والحكومة مجتمعين بكافة كتلهما وائتلافاتهما.نعود إلى إسبانيا وبرلمانها الذي قرأت أمس انه أثار موجة غضب في صفوف ناخبيه بسبب قرار اتخذه يمنح أعضاءه امتيازاً مالياً ليس كبيراً. فقد هاج الأسبان (كما كانت تهيج ثيرانهم المخصصة للمصارعة قبل تحريم هذه "الرياضة" الوحشية) وماجوا لأن برلمانهم خصص مبلغ مليون ونصف المليون يورو( أقل من مليوني دولار أميركي) لشراء هواتف موبايل ذكية مع كامل خدماتها بما فيها خدمة الانترنت.الناخبون الأسبان الغاضبون على نوابهم رأوا أن قرار ممثليهم في البرلمان غير مناسب في هذا الوقت بالذات حيث تمر البلاد، وأوربا كلها وكثير من دول العالم الأخرى، بأوضاع اقتصادية غير مريحة فرضت على الحكومة أن تتخذ قرارات مؤلمة بزيادة الضرائب وتخفيض رواتب الموظفين.الصحافة الأسبانية نشرت انتقادات قوية للقرار من قبيل "هؤلاء ليسوا بساسة، إنهم بلا حياء، فبينما تمر البلاد في حال عجز مالي وارتفاع هائل في مستوى البطالة، ها هم يواصلون إهدار المال العام"، و "نعم، إنهم يضحكون علينا ونحن نقبل بذلك. في الحقيقة إننا نستحق هذا"، و"يبدو أن رواتب أعضاء البرلمان قليلة لهذا علينا أن نشتري لهم هواتف موبايل... أما المتقاعدون فعليهم أن يشتروا الدواء من مالهم الخاص".كل هذا الغضب على أقل من مليوني دولار قررها البرلمان الاسباني لهواتف أعضائه.. تُرى ما الذي كان الأسبان سيقولونه وكيف كانوا سيعبّرون عن غضبهم لو كان نوابهم يتصرفون على طريقة أعضاء برلماننا في تكديس الامتيازات المالية والعقارية لهم وفي إهمال شؤون الشعب ومصالحه؟
شناشيل :لو كان نوابنا في إسبانيا
نشر في: 16 يوليو, 2012: 07:20 م