علي حسينمن صاحبة هذه العبارة؟ "لا نعارض أي حالة انشقاق عن النظام السوري، سواء من قبل السفراء أو داخل الجيش ولكن نحن كدولة لا تزال علاقتنا مع الدولة السورية، ونحن نعرف قبل السفير من كان يرسل المفخخات والانتحاريين إلى العراق". بعضهم سيقول إنها هيلاري كلنتون، أو المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، ويحتمل جدا أن تكون الرئيسة البرازيلية دليما روسيف..
فيما البعض الآخر سيعتبرها جملة فقدت معناها من كثرة الاستعمال. غير أن قائلة هذه العبارة ليست من حريم السياسة العالمية، وإنما هي الزعيمة "مريم الريس" التي أخرجها الله من الظلمات ومنحها هدية للعراقيين لتنير لهم دروب الحقيقة.ولأنني مثل ملايين العراقيين أتابع يوميا خطب السادة المستشارين ومعهم رهط المقربين التي تزداد وتائرها في كل أزمة تواجه الحكومة، فأتعجب على قدرة هؤلاء السادة المستشارين في ممارسة لعبة خلط الأوراق، التي تقربنا يوما بعد اخر من مرحلة الشعوذة السياسية.قبل ايام خرج علينا السفير السوري في العراق ليعلن ان بشار الأسد كان يرسل المفخخات إلى العراق وقال: "إني شخصيا ألوم رئيس الحكومة العراقية على موقفه الذي يناقض الحقيقة، فهو يعلم جيدا ما فعله بشار الأسد به وبكل العراقيين والشيعة منهم بوجه خاص". وإذا كان السفير أدرى بشعاب الأسد وجرائمه، فكيف تسنى للسيدة المستشارة أن تعرف؟ ولماذا صمتت كل هذه المدة، وأين إذن الحرص على دماء العراقيين؟ وكيف يوافق سياسي ومسؤول ان يتستّر على جرائم تستهدف أبناء شعبه، ولعل أكثر ما أثار استغرابي ان تقول السيدة الريس بعد كل هذه المعلومات والجرائم "إننا كدولة لا تزال علاقتنا مع الدولة السورية".للأسف في كل المرات التي تفتح فيها الجهات الحكومية الملف السوري كان التناقض علامة بارزة في بياناتهم وخطاباتهم، ولا أريد ان اذكر القارئ بأنني في هذا المكان اعدت اكثر من مرة عبارة للمالكي قالها قبل ثلاثة أعوام ندد فيها بنظام بشار الأسد وحمله مسؤولية التدهور الأمني في العراق، ولكن هذا الموقف سرعان ما تغير وأصبح الرفيق بشار الأسد الحارس الأمين لبوابة العراق ولابد من إطلاق صيحات النجدة من اجل أن ينتبه الضمير الإنساني ليقدم العون إلى هذا الرئيس الوديع والمسالم والذي يحاصره الدهماء والمتطرفون. في خلفية مشهد مريم الريس ابلغنا المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي أن "بغداد ستلاحق السفير السوري نواف الفارس، لاعترافه بالمشاركة بتسهيل عمليات انتقال وحدات مسلحة من سوريا إلى العراق"، معتبرا أن "التستر على تسهيل عملية دخول الإرهابيين جريمة"، وهكذا قلنا إن المشهد أعيد تصحيحه وان الحكومة عازمة على أن تلاحق كل من تلطخت يداه بدماء العراقيين.. ولان المشهد لابد أن يظل مضحكا ومبكيا في وقت واحد أضاف السيد المستشار جملة اعتراضية لجملته الثورية الأولى ليرسم لنا المسار الذي ستتخذه صولة الحكومة حيث أضاف أن "تصرف العراق تجاه الدول الأخرى لا تحكمه ردود الأفعال وسياسة الانتقام لكن نتصرف مع سوريا ومع غيرها بطريقة مسؤولة وبما تقتضيه مصالحنا".هكذا نعود ثانية لاجواء الطنطة السياسية التي تريد أن تعطي انطباعا خاطئا من ان هذه الأفكار هي آراء العراقيين جميعا الذين عانوا من عقود من التسلط والدكتاتورية لحقتها سنوات طوال من عنف الإرهاب القادم من خلف الحدود، من المؤكد لو أن العراقيين كان لهم الخيار لكانوا أول الشعوب التي تقف مع الأشقاء السوريين فالنضال الحق ان تكون مع الناس لا مع المستبدين، الغريب أن المزايدة على بقاء النظام السوري ما زالت مستمرة لإثبات أن بشار قائد في معركة ضد الإرهاب. رغم ان أشلاء آلاف الضحايا الأبرياء من الشعب السوري لا تزال ترتعش بعد جرائم جيش الصمود والتصدي الاسدي. كنت سأفتخر ويفتخر معي العراقيون كافة لو أن الحكومة العراقية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بشار الأسد بعد اعترافات السفير السوري وكنت أتمنى ألا يستمر هذا المسلسل الكوميدي الساعي إلى الاستخفاف بمطالب الشعب السوري وألا يخرج علينا مقرب آخر هو السيد سعد المطلبي ليقول إن اعترافات الوزير ذات دوافع سياسية، ولم يقل لنا السيد المقرب ما هي دوافع السفير في الكشف عن جرائم كان هو شريكا فيها. على السادة مستشاري رئيس الوزراء ومقربيهم أن يرحمونا من ألعابهم الصغيرة وان يركزوا في إدارة أعمالهم الخاصة، خذوا فرصتكم كاملة.. فالبلد غنيمة بين أيديكم.
العمود الثامن: شعوذة السادة المستشارين
نشر في: 16 يوليو, 2012: 09:57 م