TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: الطفلة العراقية وعبودية عمل الأطفال

منطقة محررة: الطفلة العراقية وعبودية عمل الأطفال

نشر في: 17 يوليو, 2012: 07:50 م

  نجم واليعشرون عاماً أو أكثر مرت على تبني الأمم المتحدة الوثيقة الخاصة بضمان حقوق الأطفال، وبإستثناء الولايات المتحدة طبعاً وقع على هذا الاتفاق جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. رغم ذلك، فإن الأربع والخمسين فقرة التي تضمنتها الوثيقة التي حددت عمل الأطفال حسب القانون الدولي،
 لم تمنع حتى الآن، بأن هناك أكثر من 370 مليون طفل في العالم تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة والرابعة عشرة، يعملون تحت شروط عمل غير إنسانية، وأن هناك حوالي 100 مليون منهم يعيشون في الشوارع في الوقت الذي لا يزور 72 مليون منهم المدرسة، ناهيك عن أن هناك من أثنين إلى أربعة ملايين طفل يعملون في الدعارة، بينما يُجبر أكثر من 300000 ألف طفل على المشاركة في الحروب كجنود. تلك هي بعض الحقائق التي أستند إليها عالم الاجتماع الألماني والخبير في شؤون التربية والتعليم، البروفيسور الألماني راينير أنغيلمان في كتابه "أحجار بثمن بخس"، والذي يبحث في التجاوزات التي تعرضت وتتعرض لها الوثيقة الرسمية الخاصة بالأطفال للأمم المتحدة، صحيح أن أغلب تلك المعلومات وغيرها التي يقدمها الكتاب اعتمدت على المعلومات التي قدمتها منظمة أمنستي أنترناشينال للباحث، إلا أن النتيجة المرعبة التي توصل إليها الكتاب في النهاية جعلت وسائل الإعلام الألمانية تدق الجرس، وليس من النادر أن يفتح المرء الراديو أو الجريدة في حينه ولا يسمع لقاءً مع عالم الاجتماع الألماني.لم يكتف البروفيسور أنغيلمان في دراسته كما أحاديثه بتقييم المعلومات الإحصائية التي زودته بها مصادر رسمية ومنظمات إنسانية عالمية موثوقة أغلبها يملك تاريخاً وخبرة طويلين بالعمل في هذا المجال، إنما يقدم للقارئ أيضاً عينتين ملموستين لأطفال يعيشون في الهند ورواندا. القصتان اللتان رواهما الخبير التربوي الألماني يبينان حجم البؤس الحقيقي الذي يختفي خلف الارقام "المجردة". أنه يروي قصة "مودهاكار" الذي يعمل منذ أن كان عمره ثماني سنوات، الأجر الذي يحصل عليه (وهو يعمل قرابة 12 ساعة يومياً) لا يتجاوز الـ "سنت" الواحد في اليوم في معمل لصناعة الآجر الثقيل، لماذا؟ فقط بسبب المديونية الملزم بتسديدها عن طريق العمل، وهو لا يعمل لوحده، إنما يعمل سوية مع أبيه وأخوين آخرين. العائلة اضطرت ذات يوم لاستدانة قرض من أحد أصحاب معامل تقطيع الآجر الثقيل عندما مرضت الأم، صاحب المعمل منحهم القرض لكن الفائدة التي وضعها عليه كانت كبيرة، مثله مثل أي مرابٍ جشع، وهذا ما جعل الدين يرتفع يومياً رغم أن العائلة تعمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم. مودهاكار يعرف جيداً أن الغبار الذي تبعثه مداخن الآجر سيحطم رئتيه الاثنتين، كما فعل وحطم رئة أبيه الذي يبصق دماً منذ سنوات كما يعرف أن أي قرض جديد لعلاج الأب، سيجعله هو وأخوته عبيداً لصاحب المعمل عقوداً أخرى. في النهاية، أنه حائر لا يعرف ماذا عليه أن يفعل، غير أن يواصل عمله العبودي، مثل سيزيف!البروفيسور أنغلمان يخبرنا، إن الطفل الهندي ليس وحده الذي يخضع لظروف العمل القاسية هذه. هناك حوالي 150000 ألف طفل يعملون في نفس الشروط التي يعمل فيها مودهاكار، وهي أجورهم الواطئة هذه والتي تصل حد الإجحاف وهي السبب الرئيسي الذي يكمن وراء بيع حجر الآجر الذي يُصنع هناك، بسعر رخيص في ألمانيا وفي دول أوروبية أخرى! نفس الأمر كان يحدث مع صناعة البسط. المثال الثاني هو قصة الطفلة  موتاراما التي فقدت عائلتها في الحرب الأهلية في رواندا، والتي اضطرت للذهاب إلى الشارع والعمل في أبخس الأثمان، ناهيك عن عمليات الاغتصاب التي تعرضت لها من بعض المشرفين على العمل، إلى أن عثرت الطفلة اليتيمة على ملجأ لها في مشروع يهتم بأطفال الشوارع في إفريقيا.كان لا بد لي من تذكر القصتين، عندما رأيت الصورة التي ظهرت فيها طفلة عراقية هدتها الحياة وجعلها العذاب تشيب طفلة، وهي تعمل في صف بلوكات للطابوق في معمل للطابوق. في وجه الطفلة هذه رأيت الطفل الهندي مودهاكار والطفلة الرواندية موتارما....آه لو عرف الأطفال حقوقهم وخرجوا صارخين بوجه العالم، فهل من المعقول أن بلاداً غنية مثل العراق فقط ما ينتجه من نفط يدر عليه المليارات من الدولارات وفيه أطفال صغار يعملون في معامل طابوق وبشروط عمل لا علاقة لها بالماضي ولا بالقرن الحادي والعشرين؟ كم بودي أن تُطبع تلك الصورة يومياً على الصفحات الأولى للصحف العراقية التي تحترم نفسها، لتكون صرخة بوجه مافيات السياسة واللصوص الذين يتغذون عندنا من كبد الأطفال. فعلاً: ماذا لو طبعت الصحف على الصفحات الأولى صورتها؟ إنه اقتراح من عندي للمدى في أول المقام!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram