TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العـــراق الآخـــر..

العـــراق الآخـــر..

نشر في: 17 يوليو, 2012: 07:54 م

نضال يوسف يبدو أن فرسان السياسة العراقية لا يعرفون أن هناك عراقا آخر غير الذي يعيشون فيه، وقد يكون في ظنهم أن الذين أطلقوا اسم العراق على هذه الأرض وشعبها ارتكبوا خطأ تاريخياً فادحاً، ذلك أنهم تمسكوا بمعايير اللغة والدم ووحدة المصير وديموغرافية الأرض فقط، ولم يكن لهم القدرة على استقراء المستقبل بأن عراقاً آخر يمكن أن يولد من رحم الأقدار، يلتقي سادته على مائدة المصالح الشخصية، أو الفئوية، وإفرازات الرؤى الضيقة، خصوصاً حين تخيم عليه أجواء طمس الحقائق وتشويه الوقائع.
العراق الآخر موجود على شاشات التلفزيون، وزوايا القنوات الفضائية، وهو عراق خاص في كل تفاصيله، لا يقطنه سوى السياسيين المنتفعين من اضطراب عمل الحكومة ومن خراب البلد، انه عراق التلفزيون والأضواء الخادعة، وهو غير معني بأحوال عراق الناس البسطاء، ولا مهتم بطبيعة المشكلات التي تطحن ملايين العراقيين وتهدد مقومات حياتهم.خلال الشهرين الماضيين تصاعدت حمى إطلاق الاتهامات بين أطراف السلطة والأطراف المعارضة لسياسة رئيس الوزراء، ووصل التراشق بالتصريحات أشده في ما يتعلق بأزمة سحب الثقة، أو استجواب رئيس الحكومة، حتى بدا الأمر كأنه احتراب داخلي بين الجبهات السياسية. وفي غمار تلك الحمى لم يخلع أي من السياسيين ثوب الحماسة ليدرك ان ما يجري الآن يخلق جروحاً جديدة ويفتح أبواب الجروح القديمة التي لم تلتئم بعد، وان كل الوعود لم يوفَ بها، واهداف التغيير لم تتحقق، وهناك تحديات عديدة تواجه البلد، الأمر الذي يتطلب وقوف الجميع في صف واحد لمواجهتها. عراق التلفزيون نجم كل الأزمات بلا منازع، وملتقى النزعات المشبوهة والممارسات الفاشلة، انه الفضاء الرحب الذي يمارس فيه الكثير من السياسيين والمسؤولين الحكوميين هواياتهم، وهو النافذة التي يطلون منها على الناس لتبرير أخطائهم وتغطية فسادهم.  ثمة ما يدعو إلى الاستغراب في عراق التلفزيون.. وثمة ما يثير الاستفزاز ايضاً.. ما يدعو إلى الاستغراب.. ظهور المسؤولين الحكوميين، او نخب حزب السلطة، على شاشات التلفزيون متنكرين للحقائق، ومتلاعبين بالوقائع، بطريقة تزيد من الشكوك بأنهم يعيشون في عراق آخر، وزمن آخر، الأمر الذي يرفع من سقف التوقعات بان ثمة انفصاما حادا بين قاع المجتمع وقمته، إنهم يتحدثون وكأن العراق مثل اليابان في قفزاته العلمية ونظافة مدنه وتنظيم حلقات مجتمعه، ومثل الصين او كوريا الجنوبية في معدلات نمو اقتصادهما، ومثل السويد في احترامها لحقوق الإنسان او انكلترا في نظامها الديمقراطي، يطلون علينا بوجوه صارمة، يتشنجون إذا ما عرضت عليهم أية حقائق تكشف عجز الحكومة، او يسخرون إذا كشفت لهم اية وقائع تظهر فساد المسؤولين فيها.استغرب أن تطل علينا نائبة من إحدى الفضائيات تمثل قائمة حزب الحكومة، تتحدث في سياق النقاش الدائر حول الازمة السياسية التي سببتها محاولة سحب الثقة من رئيس الوزراء، فتقول إنها قامت بزيارة احد الاقضية على أطراف مدينة بغداد، ووجدت الناس هناك يعيشون في حالة مزرية، بيوتهم من الطين والصفيح ومياه الشرب ملوثة، والكهرباء مفقودة، يعانون من عدم وجود مستوصف صحي، ومدارسهم آيلة للسقوط، ورجالها عاطلون عن العمل، ثم تضيف ما معناه: لكن على الرغم من كل ذلك فإنهم يبحثون عن الاستقرار السياسي! وما يثير الاستفزاز.. أن نشاهد في عراق التلفزيون من يتحدث عن الأداء العالي لقوى الأمن من اجل حماية المواطنين، او ارتفاع مستوى التعليم والبحث العلمي في البلد، وخضوع المعايير التي تحدد اختصاصات الخريجين من الجامعات لمتطلبات القطاع الصناعي والزراعي والصحي والإداري  والاحتياجات الأخرى وبما يساعد على نمو الاقتصاد العراقي، او أن مستوى الخدمات الصحية التي تقدمها وزارة الصحة للمواطنين بلغت نسباً قياسية، وان وزارة العدل، وبالتعاون مع وزارة حقوق الإنسان ووزارة الداخلية، تتابع واقع السجون والمعتقلات العراقية وتراعي الحقوق الإنسانية والقانونية للسجناء وتخلي سبيل كل من لم تثبت عليهم تهم محددة، او أن سبب ارتفاع أسعار الطماطة هو إقبال العراقيين على شرائها ولو قاطعوها لمدة شهر واحد لانخفضت أسعارها! تباً للعراق الآخر، عراق التلفزيون، انه يضلل الناس ويستفزهم، ويصادر حقوقهم...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram